للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقوله تعالى: {أَلَمْ نَخْلُقْكُمْ مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ}. قال ابن عباس: (يعني بالمهين: الضعيف).

والآية امتنان من اللَّه تعالى على خلقه، واحتجاج على الإعادة بالبدء.

أخرج ابن ماجة بسند حسن عن بسر بن جحَّاش القُرَشي قال: [بزَق النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- في كفه. ثم وضع أصبُعَهُ السبابة وقال: يقول اللَّه عزَّ وجَلَّ: أنَّى تُعْجزُني، ابْنَ آدم! وقد خلقتكَ مِنْ مِثْل هذِه. فإذا بَلَغَتْ نَفْسُكَ هذه (وأشارَ إلى حلقه) قُلْتَ: أتصدقُ. وأنّى أوانُ الصدقة؟ ] (١).

وقوله تعالى: {فَجَعَلْنَاهُ فِي قَرَارٍ مَكِينٍ}. قال مجاهد: (الرحم). قال ابن كثير: (يعني: جمَعناه في الرحم، وهو قرار الماء من الرجل والمرأة، والرَّحم مُعَدٌّ لذلك، حافِظٌ لما أودِعَ فيهِ من الماء).

وقوله تعالى: {إِلَى قَدَرٍ مَعْلُومٍ}. وهو مدة الحمل، وهي في جنس البشر بين ستة أشهر إلى تسعة أشهر.

وقوله تعالى: {فَقَدَرْنَا فَنِعْمَ الْقَادِرُونَ}. أي: فقدرنا على ذلك، فنعم القادرون عليه نحن. وهو المعنى إذا قرئ {فقَدَرْنا} بالتخفيف - قراءة أهل الكوفة والبصرة.

وأما إذا قُرئ: "فَقَدَّرنا" بالتشديد -قراءة أهل المدينة- فيكون المعنى: فقدّرنا ذلك الخلق تقديرًا: الأعضاء والصفات، وجعلنا كل حال من أحوال ذلكَ التخلّق على الصفة التي أردنا، فنعم المقدّر اللَّه.

وقوله تعالى: {وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ}. قال ابن جرير: (يقول جلّ ثناؤه: ويل يومئذ للمكذبين بأن اللَّه خلقهم من ماء مهين). قلت: والأشمل من ذلكَ أن يقال: ويل يومئذ للمكذبين بنعمة الفطرة والعناية من اللَّه بأطوار النشوء والتكوين واستواء الخلق.

وقوله تعالى: {أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ كِفَاتًا}. قال ابن عباس: (يقول: كِنًّا). وقال أبو عبيدة: (كفاتًا: أوعية). قال القرطبي: (أي: ضامّة تضم الأحياء على ظهورها والأموات في بطنها).

قلت: وأصلها في لغة العرب من كفتَ: أي ضَمَّ. قال الرازي: (والكِفات: الموضِعُ الذي يُكْفَتُ فيه شيء أي يُضَمّ ومنه قوله تعالى: {أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ كِفَاتًا}).

وقوله تعالى: {أَحْيَاءً وَأَمْوَاتًا}. قال الشعبي: (بطنها لأمواتكم، وظهرها


(١) حديث حسن. أخرجه ابن ماجة (٢٧٠٧)، كتاب الوصايا. وانظر صحيح ابن ماجة (٢١٨٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>