للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كسبت، شهيد لا يغيب عنه شيء، ولا تأخذه سنة وهي الوسن والنعاس.

روى مسلم في صحيحه، وابن ماجة في سننه، عن أبي موسى قال: [قام فينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بأربع كلمات فقال: إن الله تعالى لا ينام، ولا ينبغي له أن ينام، يخفِض القِسطَ ويرفعُه، ويرفَعُ إليه عمل الليل قبل عمل النهار، وعملُ النهار قبل عمل الليل، حجابه النور، لو كشفه لأحرقت سُبحات وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه] (١).

ثم أخبر سبحانه وتعالى أن كل ما في السماوات وما في الأرض خلق له، وفي ملكه وتحت تصرفه وقهره وجبروته وسلطانه، ومن ثم لا يتجاسر أحد أن يشفع عنده إلا أن يأذن له بذلك، وهو الذي يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم، فقد أحاط علمه بجميع مخلوقاته، بماضيهم وحاضرهم ومستقبلهم، ولا يطلع أحد على علمه سبحانه إلا بما شاء هو سبحانه أن يُطْلِعَهم عليه، ومن ثم فما آتاهم من العلم هو قليل لا حقّ لأحد منهم أن يفخر به، فهو لا يساوي في علم الله عز وجل قطرة من بحار الكون، لقد وسع كرسيه السماوات والأرض.

يروي ابن أبي شَيبة بإسناد صحيح عن أبي ذر الغفاري، أنه سأل النبي - صلى الله عليه وسلم - عن آية الكرسي، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: [والذي نفسي بيده، ما السماوات السبع في الكرسي إلا كحلقة ملقاة بأرض فلاة، وفضل العرش على الكرسي كفضل تلك الفلاة على تلك الحلقة] (٢).

وقوله: {وَلَا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا}.

قال الحافظ ابن كثير: (أي: لا يثقله ولا يكترثه حفظ السماوات والأرض ومن فيهما، ومن بينهما، بل ذلك سهل عليه يسير لديه، وهو القائم على كل نفس بما كسبت، الرقيب على جميع الأشياء، ... ، والأشياء كلها حقيرة بين يديه، متواضعة ذليلة صغيرة بالنسبة إليه، محتاجة فقيرة، وهو الغني الحميد).

ثم ختمها بقوله سبحانه: {وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ}.

أي: الكبير المتعال والجبار القهار، فله الكبرياء وحده في هذا الكون ولا يليق ذلك إلا بوجهه الكريم، فتبارك الله رب العرش العظيم.


(١) حديث صحيح. أخرجه مسلم في صحيحه (١٧٩)، وأحمد في مسنده (٤/ ٣٩٥).
(٢) حديث صحيح. أخرجه محمد بن أبي شيبة في "كتاب العرش" (١١٤/ ١). انظر سلسلة الأحاديث الصحيحة -حديث رقم- (١٠٩)، وكتابي: أصل الدين والإيمان (١/ ٣٠٦) لتفصيل البحث.

<<  <  ج: ص:  >  >>