في هذه الآية: ذكر محاججة إبراهيم عليه السلام النمرود المتجرئ على صفات الإلهية بحقائق كونية توجب إفراد الله تعالى بالتعظيم.
قال الفراء:({أَلَمْ تَرَ} بمعنى: هل رأيت). أي: هل رأيت الذي حاجّ إبراهيم، وهو النُّمْروذ بن كوش بن كنعان بن سام بن نوح ملك زمانه وصاحبُ النار والبعوضة - كما ذكر ابن عباس ومجاهد -. وقيل هو نمروذ بن فالخ بن عابر بن شالخ بن أرفخشد بن سام بن نوح. قال مجاهد:(وملك الدنيا مشارقها ومغاربها أربعة: مؤمنان وكافران، فالمؤمنان: سليمان بن داود، وذو القرنين، والكافران: نمروذُ وبختنصَّر) والله أعلم.
أي: وجود ربه، إذ أنكر أن يكون ثم إله غيره كما قال بعده فرعون لملئه:{مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي}، وإنما حمله على ذلك الطغيان والكبر وطول المدة في الملك، وهو مفهوم قوله تعالى:{أَنْ آتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ}، فطلب من إبراهيم الدليل على وجودِ الرب الذي يدعو إليه، فقال إبراهيم:{رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ} فمن يفعل ذلك يستحق وحده العبادة، فأجابه النمروذ:{أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ}.
قال قتادة:(وذكر لنا أنه دعا برجلين فقتل أحدهما واستحيا الآخر، فقال: أنا أحيي هذا! أنا أستحيي من شئت، وأقتل من شئت! قال إبراهيم عند ذلك:{فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ}، {فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ}).
قال محمد بن إسحاق:({وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ}، أي: لا يهديهم في الحجة عند الخصومة، لما هم عليه من الضلالة).