للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قلت: ولا شك أن البخل والشح بريد إلى الكفر بالله ونعمه فأول المطاف البخل والشح، وأوسطه استحلال المحارم وسفك الدماء وقطيعة الأرحام، ونهاية المطاف الكفر بالمنعم سبحانه وجحود نعمه. وهذا يجمع بين الأقوال السابقة، ولله الفضل والمنة.

وقوله: {وَالَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالهُمْ رِئَاءَ النَّاسِ}. يعني: أنهم يقصدون السمعة والمدح وحصول الثناء عليهم من الناس والشهادة لهم بالكرم.

وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة مرفوعًا: [قال الله تعالى: أنا أغنى الشركاء عن الشرك، من عمل عملًا أشرك معي فيه غيري تركتهُ وشِرْكَهُ] (١).

وفي صحيح مسلم عن سليمانَ بن يسارٍ قال: تفرَّق الناسُ عن أبي هُريرة. فقال له نَاتِلُ أهل الشام (٢): أيها الشَّيْخُ! حَدِّثْني حديثًا سمعته من رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، قال: نعم. سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: [إن أوَّل الناس يُقضى يوم القيامة عليه، رجلٌ استُشهدَ، فَأُتيَ به فَعرَّفَه نِعْمَتَه فَعَرَفها، قال: فما عَمِلْتَ فيها؟ قال: قَاتَلْتُ فيكَ حتى استُشهدت، قال: كذبتَ، ولكنَّك قاتَلْتَ لأَنْ يُقال جَرِيءٌ، فقد قيل، ثُمَّ أُمِرَ به فَسُحبَ على وجهه حتى أُلقِيَ في النار، ورجُلٌ تَعَلَّمَ العِلمَ وعَلَّمهُ وقرأ القرآنَ، فأُتِيَ به، فَعَرَّفهَ نِعَمَهُ فَعَرَفها. قال: فما عَمِلْتَ فيها؟ قال: تَعَلَّمْتُ العِلْمَ وعَلَّمْتُهُ وقرأت فيكَ القرآنَ. قال: كذبتَ ولكنكَ تَعَلَّمتَ العِلْمَ ليُقال عالِمٌ، وقَرَأْتَ القرآن ليُقال هو قارئٌ، فقد قيل، ثم أُمِرَ به فسُحِبَ على وجهه حتى أُلقيَ في النار، ورجلٌ وسَّعَ الله عليه وأَعطاهُ من أصناف المال كُلِّه، فَأُتِيَ به فَعَرَّفَهُ نِعَمَهُ فعَرَفها، قال: فما عملتَ فيها؟ قال: ما تركْتُ من سبيلٍ تُحِبُّ أن يُنْفَقَ فيها إلا أَنْفَقْتُ فيها لك، قال: كذبتَ، ولكنَّكَ فَعَلْتَ ليُقَال هو جوادٌ، فقد قيل، ثم أُمِرَ به فَسُحِبَ على وجهِهِ، ثم أُلقي في النار] (٣).

وقوله: {وَلَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ}.

يعني: ولا يصدقون بوحدانية الله، ولا بالرجوع إليه يوم المعاد.


(١) حديث صحيح. أخرجه الإمام مسلم في صحيحه برقم (٢٩٨٥)، كتاب الزهد والرقائق.
(٢) وفي رواية: ناتل الشامي، وهو ناتل بن قيس الحزامي الشامي من أهل فلسطين، وهو تابعي، وكان أبوه صحابيًّا، وكان ناتل كبير قومه.
(٣) حديث صحيح. أخرجه مسلم في الصحيح -حديث رقم- (١٩٠٥)، كتاب الإمارة، باب من قاتل للرياء والسمعة استحق النار. من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

<<  <  ج: ص:  >  >>