للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أخرج الإمام مسلم عن عائشة قالت: [قلت: يا رسول الله! ابْنُ جُدْعانَ كان في الجاهلية يَصِلُ الرَّحِمَ، ويُطْعِمُ المِسْكينَ، فهل ذاكَ نافِعُهُ؟ قال: لا يَنْفَعُهُ، إنه لم يَقُلْ يومًا: ربِّ اغفر لي خطيئتي يوم الدين] (١).

والخلاصة: أنَّ الرياء الذي كان عليه هؤلاء كان بسبب عدم إيمانهم بالله واليوم الآخر، واتخاذهم الشيطان وليًّا فَسَوَّلَ لهم وأملى لهم، ولهذا قال تعالى: {وَمَنْ يَكُنِ الشَّيْطَانُ لَهُ قَرِينًا فَسَاءَ قَرِينًا}.

والمعنى: من يكن الشيطان له خليلًا وصاحبًا وناصحًا فساء الصاحِب وهلك المصحوب.

وقوله: {وَمَاذَا عَلَيْهِمْ لَوْ آمَنُوا بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقَهُمُ اللَّهُ}.

المعنى: أي شيء كان يمنع هؤلاء من صدق الإيمان بالله، والتصديق بالدار الآخرة، والاستعداد لها، والإنفاق في وجوه الطاعات مما رزقهم الله.

وقوله: {وَكَانَ اللَّهُ بِهِمْ عَلِيمًا}. أي: بنياتهم وأعمالهم، فمهما أرادوا فهو محيط به، سواء أرادوا الدنيا والسمعة أو أرادوا الله ورضوانه والدار الآخرة.

٤٠ - ٤٢. قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَال ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا (٤٠) فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلَاءِ شَهِيدًا (٤١) يَوْمَئِذٍ يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَعَصَوُا الرَّسُولَ لَوْ تُسَوَّى بِهِمُ الْأَرْضُ وَلَا يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثًا}.

في هذه الآيات: إخبار الله تعالى أنه لا يبخس أحدًا من عباده شيئًا حتى لو كان مثقال ذرة، فيضاعف للمؤمن، ويعطي الكافر من الدنيا ثم يحبط عمله في الآخرة. فكيف - يا محمد - إذا أُحضر من كل أمة من يشهد عليهم وجئنا بك على كل الأمم شهيدًا. يومئذ يتمنى الذين جحدوا الله ونعمه وشكره لو سواهم الله والأرض فصاروا ترابًا شأن مصير البهائم، ولم يكتموا شيئًا بل فضحهم الله وأخزاهم.


(١) حديث صحيح. أخرجه مسلم (٢١٤)، كتاب الإيمان، باب الدليل على أن من مات على الكفر لا ينفعه عمل. ورواه أيضًا برقم (٢٧٩١)، وأخرجه أحمد (٦/ ٣٥)، والترمذي (٣١٢١).

<<  <  ج: ص:  >  >>