إن الحمدلله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً.
أما بعد:
فإن أفضل ما اكتسبته النفوس وحصَّلته القلوب، ونال به العبد الرفعة في الدنيا والآخرة، هو الإيمان والعلم، ولهذا قرن بينهما سبحانه في قوله:{يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ}[المجادلة: ١١]، وقوله:{وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَالْإِيمَانَ لَقَدْ لَبِثْتُمْ فِي كِتَابِ اللَّهِ إِلَى يَوْمِ الْبَعْثِ فَهَذَا يَوْمُ الْبَعْثِ}[الروم: ٥٦].
وإن من أجل العلوم على الإطلاق، وأفضلها وأوجبها، هو علم تفسير آيات الله؛ لأن الله أمر بتدبر كتابه، والتفكر في معانيه، والاهتداء بآياته، وأثنى على القائمين بذلك، وجعلهم في أعلى المراتب، ووعدهم أسنى المواهب، قال تعالى:{كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ}[ص: ٢٩]، فلو أنفق العبد جوهر عمره في هذا الفن لم يكن ذلك كثيراً في جانب ما هو أفضل المطالب، وأعظم المقاصد.
وإن من هؤلاء العلماء الذين أفنوا أعمارهم، وصرفوا أوقاتهم في خدمة كتاب الله تفسيراً وبياناً لمعانيه، واستنباطاً لحكمه وأحكامه، العالم المفسر الجليل الفقيه النحوي: محمد بن أحمد الخطيب الشربيني الشافعي - رحمه الله - المتوفى سنة (٩٧٧ هـ) من أعيان القرن العاشر الهجري، والذي تميز بسعة نظره، ودقة مؤلفاته، صنف شرحين عظيمين في الفقه الشافعي: شرحَ منهاج الطالبين للإمام النووي (ت ٦٧٦ هـ)، وشرحاً على كتاب التنبيه في فروع الشافعية لأبي إسحاق إبراهيم بن علي الشيرازي (ت ٤٧٦ هـ)، وله: