قال الله تعالى:{وَمَا كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذًا لَارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ}[العنكبوت: ٢٩].
قال الخطيب الشربيني - رحمه الله -: ({وَمَا} أي: وأنزلنا إليك الكتاب والحال أنك ما {كُنْتَ تَتْلُو} أي: تقرأ أصلاً {مِنْ قَبْلِهِ} فإن قيل ما فائدة قوله بيمينك؟
أجيب: بأنه ذكر اليمين التي هي أقوى الجارحتين، وهي التي يُزاول بها الخط زيادة تصوير لِما نفى عنه من كونه كاتباً، ألا ترى أنك إذا قلت في الإثبات: رأيت الأمير يخط هذا الكتاب بيمينه، كان أشّد لإثباتك أنه تولى كتبه، فكذلك النفي، وفي ذلك إشارة إلى أنه لا تحدث الريبة في أمره لعاقل إلا بالمواظبة القوية التي ينشأ عنها ملكه، فكيف إذا لم يحصل أصل الفعل؟ ولذلك قال تعالى:{إِذًا} أي: لو كنت ممن يخط ويقرأ {لَارْتَابَ} أي: شك {الْمُبْطِلُونَ} أي: اليهود فيك وقالوا: الذي في التوراة أنه أمّيّ لا يقرأ ولا يكتب، أو لارتاب مشركو مكة وقالوا لعلّه تعلمه أو التقطه من كتب الأوّلين وكتبه بيده). (١)
الدراسة:
استنبط الخطيب من الآية دلالتها باللازم على مناسبة قوله {بِيَمِينِكَ} في الآية وهي زيادة التصوير لنفي الكتابة عنه صلى الله عليه وسلم، وتأكيد إثبات أُمِّيته؛ حيث أشارت الآية إلى أنه لا يرتاب في أمره عاقل، إذ كيف لمثله أن يأتي بالأخبار عن الأمم السابقة والأمور المغيبة ولم يقرأ كتاباً ولاخطَّ بيده قلماً؟!
ثم يأتي بما أعجز البشر أن يأتوا بسورة مثله، فهذا القرآن المنزل عليه من