للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ثالثاً: أهمية علم الاستنباط:

إن من أعظم العلوم التي اشتغل بها المفسرون بعد علم التفسير: علم الاستنباط من القرآن الكريم، واستخراج الفوائد والمعاني والحِكم من آياته؛ لاتصاله بأشرف العلوم الذي هو كلام الله تعالى، قال سبحانه: {وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلَّا قَلِيلًا} [النساء: ٨٣]، فسمَّى الله تعالى الاستنباط علماً، ومدح أهل العلم به، وخصَّ رسوله صلى الله عليه وسلم بعلم حقيقة الأمر من الأمن أو الخوف، وما يُنشر منه وما لا يُنشر، كما خصَّ بعلمِه أهلَ الاستنباطِ من أولي الأمر - وهم العلماء - دون غيرهم من أهل العلم.

فلولا أن الاستنباط علمٌ معتبَرٌ، وحُجَّةٌ في الشرع، لَمَا أمر اللهُ تعالى عبادَه برَدِّ ما لم يدركوا علمه نَصَّاً إلى من يدركونه بالاستنباط من أهل العلم.

قال النووي: (وقد قال الله تعالى: {وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ} فالاعتناء بالاستنباط من آكد الواجبات المطلوبة؛ لأن النصوص الصريحة لا تفي إلا بيسير من المسائل الحادثة فإذا أهمل الاستنباط فات القضاء في معظم الأحكام النازلة أو في بعضها والله أعلم) (١).

وعليه فالاستنباط من أهمِّ أسباب دَرَك العلوم، وله من الأصولِ والضوابط التي تجمع جزئياته، وتَلُمُّ متفرِّقاته، ما يجدر معه بأهل العلم إبرازها وتحديدها،


(١) شرح النووي على صحيح مسلم (١١/ ٥٧).

<<  <   >  >>