ولا ينتقل من التحريم إلى الكراهة إلا بدليل يدل على ذلك، فإذا نهى صلى الله عليه وسلم عن شيء ثم فعله دلَّ على أن النهي للكراهة، كما نهى عن الشرب قائماً ثم شرب عليه الصلاة والسلام قائماً، فدلَّ على أنه ليس نهي تحريم، وأنه يجوز الشرب قائماً وقاعداً، لكن الشرب قاعداً أولى.
ودليل ذلك قوله تعالى:{وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا}[الحشر: ٧]، فهذا يقتضي وجوب الانتهاء عن الفعل الذي نهى عنه النبي صلى الله عليه وسلم.
كذلك ما ثبت من فعل الصحابة - رضوان الله عليهم أجمعين- في غزوة خيبر لما نفد الطعام واشتد بهم الجوع، أخذوا الحمر الأهلية فذبحوها، وغلت القدور بها، فجاء الصارخ فقال:«إن الله ورسوله ينهيانكم عن لحوم الحمر الأهلية، فكفئوا القدور بما فيها»(١)، مع حاجة الناس إلى هذا الطعام، فلو كان هذا النهي على الكراهة لأكل الناس، فدلَّ على أن الأصل في النهي التحريم، كما هي دلالة هذه الآية، وهي دلالة قوية ظاهرة، والله تعالى أعلم.
(١) أخرجه البخاري بنحوه في كتاب: الذبائح والصيد، باب (لحوم الحمر الإنسية)، برقم (٥٥٢٨)، (٧/ ٩٦)، ومسلم في كتاب الذبائح، باب تحريم أكل لحوم الحمر الإنسية برقم (١٩٤٠)، (٣/ ١٥٤٠)