للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الملائكة الذين لا يعصون الله فيما أمرهم إلى الأرض التي هي مقر من يعصي ويطيع، فإن السماء لا تصلح لمن يتكبر ويعصي أمر ربه مثلك. (١)

ولهذا قال: {فَمَا يَكُونُ لَكَ أَنْ تَتَكَبَّرَ فِيهَا} أي: ليس لك أن تستكبر في الجنة لأنه لا ينبغي أن يسكن في الجنة متكبرٌ مخالفٌ لأمر الله عز وجل.

فدلّ قوله: {فَمَا يَكُونُ لَكَ} على أن ذلك الوصف لا يُغتفر منه، لأن النفي بصيغة (ما يكون لك) أشد من النفي بـ (ليس لك كذا)، وهو يستلزم هنا نهياً؛ حيث نفاه عنه مع وقوعه، وعليه فتقييد نفي التكبر عنه بالكون في السماء؛ لوقوعه علّة للعقوبة، دلّ على عظم قبح التكبر وشناعته، وأنه معصية لا تليق بأهل العالم العلوي، ولهذا كان طرد إبليس من الجنة، وليس للمعصية ومخالفة أمر الله فحسب. (٢)

وممن استنبط هذا المعنى بدلالة هذه الآية: الطبري، والبيضاوي، وأبو السعود، وحقي، وغيرهم. (٣)

وقد تقدم الكلام عن قريب من هذه الدلالة في سورة البقرة، وفي صحيح مسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «لا يدخل الجنة من في قلبه مثقال ذرة من كبر». (٤)


(١) وهذا على الراجح في مكان الجنة وأنها فوق السماء السابعة وتحت عرش الرحمن كما عليه أهل السنة والجماعة، وسيأتي بيانه في استنباط لاحق في السورة نفسها.
(٢) ينظر: التحرير والتنوير (٨/ ٤٤).
(٣) ينظر: جامع البيان (١٢/ ٣٢٩)، وأنوار التنزيل ٣/ ٧، وإرشاد العقل السليم ٣/ ٢١٧، وروح البيان ٣/ ١٤١.
(٤) تقدم تخريجه

<<  <   >  >>