للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أن الفريق الذي حقَّ عليهم الضلالة، إنما ضلوا عن سبيل الله، باتخاذهم الشياطين نصراء من دون الله، جهلاً منهم بخطأ ما هم عليه من ذلك، فعلوا ذلك وهم يظنون أنهم على هدى وحق، وأن الصواب ما أتوا.

قال الطبري: (وهذا من أبين الدلالة على خطأ قول من زعم أن الله لا يعذب أحداً على معصية ركبها أو ضلالة اعتقدها، إلا أن يأتيها بعد علم منه بصواب وجهها، فيركبها عناداً منه لربه فيها (١). لأن ذلك لو كان كذلك لم يكن بين فريق الضلالة الذي ضلَّ وهو يحسب أنه هاد وفريق الهُدى فرق، وقد فرَّق الله بين أسمائهما وأحكامهما في هذه الآية). (٢)

فهذه الآية وأمثالها في القرآن تدلّ على أن الكافر لا ينفعه ظنه أنه على هدى ; لأن الأدلة التي جاءت بها الرسل لم تترك في الحق لبساً ولا شبهة، فولايتهم للشياطين ضلالة، وحسبانهم ضلالهم هُدى ضلالة أيضاً، سواء كان ذلك كله عن خطأ أو عن عناد، إذ لا عذر للضال في ضلاله بالخطأ، لأن الله نصب الأدلة على الحق وعلى التمييز بين الحق والباطل وهذا من أوضح الأدلة في الرد على المعتزلة والقدرية. (٣)

قال ابن القيم: (لا عُذر لهذا وأمثاله من الضُلاَّل الذين منشأ ضلالهم الإعراض عن الوحي الذي جاء به الرسول، ولو ظن أنه مهتد فإنه مُفرَط بإعراضه عن اتباع داعي الهدى فإذا ضلّ فإنما أُتي من تفريطه وإعراضه). (٤)


(١) وهم المعتزلة والقدرية، ينظر: القدر للفريابي (١/ ٢٣٣)، والانتصار في الرد على المعتزلة القدرية للعمراني (٢/ ٤٢١)
(٢) جامع البيان (١٢/ ٣٨٨)
(٣) ينظر: التحرير والتنوير لابن عاشور (٨/ ٩١)
(٤) مفتاح دار السعادة (١/ ٤٤).

<<  <   >  >>