للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وهذا لا يعني أن العبد مجبور على فعله لا اختيار له، بل إن الله تعالى خلقه على نشأة وصفة يتمكن بها من إحداث إرادته وأفعاله وتلك النشأة بمشيئة الله وقدرته وتكوينه. (١)

فخلق أفعال العباد واختراعها، خيرها وشرها، نفعها وضرها، لا يخرجها عن كونها مقدورة للعبد، يخلق الله له قدرة يقوى بها على الاكتساب، فهو تعالى خالق المسببات والأسباب، خلق القادر والمقدور معاً، وخلق الاختيار والمختار جميعاً. (٢)

والأدلة على أن أفعال العباد مخلوقة لله كثيرة (٣)، قال تعالى: {وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلَ الَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَلَكِنِ اخْتَلَفُوا فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ وَمِنْهُمْ مَنْ كَفَرَ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلُوا وَلَكِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ} [البقرة: ٢٥٣]، فقوله تعالى: {وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلَ الَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ} يدل على أن اقتتالهم بمشيئة الله، ثم قال تعالى: {وَلَكِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ} ففعلهم منسوب إلى الله خلقاً كما أنه منسوب إلى الله تعالى إرادة وتقديراً.


(١) ينظر: شفاء العليل لابن القيم (١/ ١٣٧).
(٢) ينظر: مرهم العلل المعضلة في الرد على أئمة المعتزلة لليافعي (١/ ١٧٠)، وينظر: الاعتقاد والهداية إلى سبيل الرشاد للبيهقي (١/ ١٤٣ - ١٤٤)، والتوحيد للماتريدي ص ٢٢٨، وشرح الطحاوية (١/ ٤٣٨)، ولوامع الأنوار البهية (١/ ٢٩٣)، وشرح العقيدة السفارينية لابن عثيمين (١/ ٣٢٥).
(٣) ينظر: خلق أفعال العباد للبخاري ص ١٠٨، واعتقاد أئمة الحديث لابن مرداس الجرجاني (١/ ٦٠)، والإبانة عن شريعة الفرقة الناجية لابن بطة (١/ ١٦١)، والفصل في الملل لابن حزم (٣/ ٣٢)، ولمع الأدلة في قواعد عقائد أهل السنة والجماعة لأبي المعالي الجويني (١/ ١٢٠)، والانتصار في الرد على المعتزلة للعمراني (١/ ٦٧)، ومجوع الفتاوى (٨/ ٤٤٩)

<<  <   >  >>