للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وأثبت الخطيب - رحمه الله - صفة الاستواء على ضعف في ذلك (١)، كما أثبت الرؤية (٢)، لكنه كسائر الأشاعرة يثبتون رؤية الله عز وجل، ويقولون: (نظرٌ لا إلى جهة)، ويرون الجهة مستحيلة في حق الله، فإثباتهم لها مختلف عن إثبات أهل السنة والجماعة؛


(١) قال عند قوله تعالى {ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ} [الأعراف: ٥٤] (أي: استوى أمره، وقال أهل السنة: الاستواء على العرش صفة الله بلا كيف يجب الإيمان به، ونكل فيه العلم إلى الله تعالى. والمعنى أنّ له سبحانه وتعالى استواء على العرش على الوجه الذي عناه، منزه عن الاستقرار والتمكن، وسأل رجل مالك بن أنس عن قوله تعالى: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [طه، ٥]، فأطرق رأسه ملياً وعلاه الرحضاء، ثم قال: الاستواء غير مجهول، والكيف غير معقول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة، وما أظنك إلا ضالاً ثم أمر به فأخرج. وروي عن سفيان الثوري والأوزاعي والليث بن سعد وغيرهم من علماء السنة في هذه الآيات التي جاءت في الصفات المتشابهة أمرّوها كما جاءت، اقرؤها بلا كيف، وإجماع السلف منعقد على أن لا يزيدوا على قراءة الآية، والعرش في اللغة السرير، .. وشذ قوم فقالوا: العرش بمعنى الملك، وهذا عدول عن الحقيقة إلى التجوّز مع مخالفة الأثر، ألم يسمعوا قوله تعالى: {وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ} [هود، ٧] أتراه كان الملك على الماء؟ .. وبعضهم يقول: استوى بمعنى استولى ويحتج بقول الشاعر: *قد استوى بشر على العراق ... من غير سيف ودم مهراق*
وقال آخر: *هما استويا بفضلهما جميعاً ... على عرش الملوك بغير زور*
وهذا منكر عند أهل اللغة، قال ابن الأعرابيّ: لا يعرف استولى فلان على كذا إلا إذا كان بعيداً منه غير متمكن منه، ثم تمكن منه، والله تعالى لم يزل مستولياً على الأشياء، والبيتان قال ابن فارس اللغوي: لا يعرف قائلهما، ولو صحا لا حجة فيهما، لما بينا من استيلاء من لم يكن مستولياً، نعوذ بالله من تعطيل الملحدة وتشبيه المجسمة). السراج المنير (١/ ٤٨٠).
(٢) ينظر كلامه عند قوله تعالى {لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ} [الأنعام: ١٠٣]: السراج المنير (٤/ ٣٧٣)، وقوله تعالى {لَنْ تَرَانِي وَلَكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ} [الأعراف: ١٤٣]: (١/ ٥٨٦)، وقوله تعالى {كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ} [المطففين: ١٥]: (٤/ ٥٧٠).

<<  <   >  >>