للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

بحيث إن الخوف يتعلق بمكان المخوف منه (١)، وعطفَ جملة {وَخَافَ وَعِيدِ} على {خَافَ مَقَامِي} مع إعادة فعل (خاف) دون اكتفاء بعطف (وعيد) على (مقامي) لأن هذه الصلة وإن كان صريحها الثناء على المخاطبين فالمراد منها: التعريض بالكافرين بأنهم لا يخافون وعيد الله، ولولا ذلك لكانت جملة {خَافَ مَقَامِي} تغني عن هذه الجملة، فإن المشركين لم يعبئوا بوعيد الله وحسبوه عبثاً، وهذه الآية في ذكر إهلاك الظالمين وإسكان المؤمنين أرضهم، فكان المقام للفريقين، فجمع في جزاء المؤمنين بدمج التعريض بوعيد الكافرين، وفي الجمع بينهما دلالة على أن مِن حق المؤمن أن يخاف غضب ربه ويخاف وعيده. (٢)

قال ابن كثير في معنى هذه الآية: (هذا لمن خاف مقامي بين يدي يوم القيامة، وخشي من وعيدي وهو تخويفي وعذابي، كما قال تعالى: {فَأَمَّا مَنْ طَغَى (٣٧) وَآثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا (٣٨) فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَى (٣٩) وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى (٤٠) فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى} [النازعات: ٣٧ - ٤١]، وقال: {وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ} [الرحمن: ٤٦]). (٣)

وممن استنبط هذه الدلالة: الرازي، والنيسابوري، وابن عاشور، وغيرهم. (٤)

والذي يظهر صحة دلالة هذه الآية على المغايرة بين الخوف من الله، والخوف من وعيده، وهذه فائدة عطف أحد الخوفين على الآخر. والله تعالى أعلم.


(١) (مقام) يحتمل المصدر والمكان. قال الفراء: مقامي مصدر أضيف إلى الفاعل أي: قيامي عليه بالحفظ لأعماله، ومراقبتي إياه لقوله: أفمن هو قائم على كل نفس بما كسبت. وقال الزجاج: مكان وقوفه بين يدي للحساب، وهو موقف الله الذي يقف فيه عباده يوم القيامة كقوله تعالى: {وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ}، وعلى إقحام المقام أي لمن خافني. ينظر: معاني القرآن (٢/ ٧١)، ومجاز القرآن لأبي عبيدة (١/ ٣٣٧)
(٢) ينظر: التحرير والتنوير (١٣/ ٢٠٨)
(٣) تفسير القرآن العظيم (٤/ ٤٨٤)
(٤) ينظر: التفسير الكبير (١٩/ ٧٨)، وغرائب القرآن (٤/ ١٨٢)، التحرير والتنوير (١٣/ ٢٠٨)

<<  <   >  >>