للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الآية، وفي قوله تعالى {سَنَدْعُ الزَّبَانِيَةَ} [العلق: ١٨]، و {يَوْمَ يُنَادِ الْمُنَادِ} [ق: ٤١] ونحوها، يدل على أن القرآن نُقِل كما سُمع، وأن القراء متبعون للأثر والرواية لا مجرد الرسم، فلم يتصرف في القرآن أحد باجتهاده، وإنما هو الرواية والسماع، فدلَّ على أن القراءة سنة متبعة.

وهي دلالة ظاهرة قوية؛ إذ القياس إثبات الواو في قوله: {وَيَدْعُ} إلا أنه حذف في المصحف من الكتابة، لعدم التلفظ بها لوقوع اللام الساكنة بعدها، ولم تحذف في المعنى لأنها في موضع الرفع، والضمة تقوم مقامها. (١)

قال أبو حيان: «{وَيَدْعُ} بغير واو على حسب السمع». (٢)

قال أبو عمرو الداني (٣): «وأئمة القراء لا تعمل في شيء من حروف القرآن على الأفشى في اللغة والأقيس في العربية، بل على الأثبت في الأثر، والأصح في النقل والرواية، إذا ثبت عنهم لم يردها قياس عربية، ولا فشو لغة ; لأن القراءة سنة متبعة يلزم قبولها والمصير إليها». (٤)

فثبت بهذا أن القراء يتقيدون بالرواية سماعاً دون الرسم، وليس رسم المصحف إلا كالتذكرة للقارئ، وأن القراءة سنة متبعة لا مجال فيها للرأي أو القياس. (٥) والله تعالى أعلم.


(١) ينظر: معاني القرآن للفراء (٢/ ١١٧)، وتفسير القرآن للسمرقندي (٢/ ٣٠٣)، وفتح القدير للشوكاني (٣/ ٢٥١).
(٢) البحر المحيط (٧/ ١٩).
(٣) هو عثمان بن سعيد بن عثمان بن عمر أبو عمرو الداني، نسبة إلى دانية إحدى مدن الأندلس، القرطبي الأموي، المعروف بالصيرفي، شيخ المقرئين. حافظ، مجود، له عدة مؤلفات منها: التيسير، والمقنع؛ وجامع البيان؛ والوقف والابتداء، توفي سنة ٤٤٤ هـ. ينظر: سير أعلام النبلاء (١٨/ ٧٧)، غاية النهاية في طبقات القراء (١/ ٥٠٣).
(٤) في كتابه " جامع البيان "، نقله عنه ابن الجزري في النشر في القراءات العشر (١/ ١٠).
(٥) ينظر: المرشد الوجيز لأبي شامة المقدسي (١/ ٩٠)، والنشر في القراءات العشر (١/ ١٠)، ورسم المصحف وضبطه بين التوقيف والاصطلاحات الحديثة شعبان اسماعيل (١/ ٥٥).

<<  <   >  >>