للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وهذا لا يقتضي انحصار فضله في هذه النعم فحسب فإنه تعالى أعطاه الزبور، كما قال تعالى في مقام الامتنان والتفضل {وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا}، وذكر هنا فضله على صفة النكرة وهي تدل على نوعٍ من الفضل وشيءٍ منه كما دل عليه لفظ «منا». (١)

قال أبو السعود مؤكداً هذه الدلالة: ({فَضْلًا} على سائر الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، أي: نوعاً من الفضل، وهو ما ذُكر بعد، فإنه معجزة خاصة به صلى الله عليه وسلم، أو على سائر الناس، فيندرج فيه النبوة والكتاب والملك والصوت الحسن؛ فتنكيره للتفخيم، و {مِنَّا} لتأكيد فخامته الذاتية بفخامته الإضافية، وتقديمه على المفعول الصريح؛ للاهتمام بالمقدم والتشويق إلى المؤخر؛ فإن ما حقه التقديم إذا أُخر تبقى النفس مترقبة له، فإذا وردها يتمكن عندها فضل تمكن). (٢)

وقد نصَّ على هذه الدلالة من سياق الآية غير أبي السعود: الرازي، وحقي، والألوسي، وغيرهم. (٣)

وعلى هذا ففي الآية إشارة إلى مزيد فضلٍ لداود عليه السلام، ويشهد له آيات كثيرة، كما في قوله تعالى: {وَلَقَدْ فَضَّلْنَا بَعْضَ النَّبِيِّينَ عَلَى بَعْضٍ وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا} [الإسراء: ٥٥]، وقوله تعالى: {وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ عِلْمًا وَقَالَا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي فَضَّلَنَا عَلَى كَثِيرٍ مِنْ عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ} [النمل: ١٥]، وقوله تعالى: {وَوَهَبْنَا لِدَاوُودَ سُلَيْمَانَ نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ} [ص: ٣٠] وقوله تعالى: {يَادَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ} [ص: ٢٦] وقوله تعالى: {وَقَتَلَ دَاوُودُ جَالُوتَ وَآتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشَاءُ} [البقرة: ٢٥١]، إلى غير ذلك من الآيات (٤) والله تعالى أجلُّ وعلم.


(١) ينظر: روح البيان لحقي (٧/ ٢٦٥)، وتيسير الكريم الرحمن (١/ ٦٧٦)
(٢) إرشاد العقل السليم (٧/ ١٢٤) بتصرف يسير.
(٣) ينظر: التفسير الكبير (٢٥/ ١٩٥)،، روح البيان (٧/ ٢٦٥)، وروح المعاني (١١/ ٢٨٧)
(٤) ينظر: أضواء البيان (٦/ ٢٦٦).

<<  <   >  >>