للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أولاً: الحث على المبادرة إلى مفارقة الأشرار واتباع الأخيار، كما فعل هذا المؤمن؛ حيث بادر إلى الاستجابة للحق، لمَّا استشعر حقيقة الإيمان، فسعى لأجل الحق الذي معه، وجاء من أجل أن يأمر الناس باتباع المرسلين، مع أنهم كانوا في غاية العناد والإعراض، وكانوا يهددون الرسل ويقولون: {لَئِنْ لَمْ تَنْتَهُوا لَنَرْجُمَنَّكُمْ وَلَيَمَسَّنَّكُمْ مِنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ} [يس: ١٨]، ورغم هذا التهديد، فإن هذا المؤمن جهر بالحق ودعاهم إلى الإيمان بدعوة الرسل.

كما أن فيها دروساً في كظم الغيظ وعدم الانتصار للنفس والحلم عن أهل الجهل؛ فإن هذا المؤمن لم يلهه دخوله الجنة عن حال قومه، {قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ قَالَ يَالَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ (٢٦) بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ} فتمنى أن يعلموا ماذا لقي من ربه؛ ليعلموا فضيلة الإيمان فيؤمنوا، إشفاقاً عليهم، ليعملوا مثلما عمِل، ليجدوا مثلما وجد، وما تمنى هلاكهم، ولا الشماتة بهم، فكان مُتسماً بكظم الغيظ، وبحلمه على جهالتهم؛ ونصحه لقومه حياً وميتاً. فحقَّق الله مُناه، وأخبر عن حاله، وأنزل به خطابه، وعرَّف قومه ذلك. (١)

وممن استنبط هذه الفائدة: الزمخشري، وابن عطية، والبيضاوي، والقرطبي، وحقي، والألوسي، والقاسمي، وابن عاشور، وغيرهم. (٢)

قال القرطبي: (في هذه الآية تنبيه عظيم، ودلالة على وجوب كظم الغيظ، والحلم عن أهل الجهل، والترؤف على من أدخل نفسه في غمار الأشرار وأهل البغي، والتشمر في تخليصه، والتلطف في افتدائه، والاشتغال بذلك عن الشماتة به


(١) ينظر: لطائف الإشارات للقشيري (٣/ ٢١٥)، والتحرير والتنوير لابن عاشور (٢٢/ ٣٧١)
(٢) ينظر: الكشاف (٤/ ١١)، والمحرر الوجيز (٤/ ٤٥١)، وأنوار التنزيل (٤/ ٢٦٦)، والجامع لأحكام القرآن (١٥/ ٢٠)، وروح البيان (٧/ ٣٨٧)، ومحاسن التأويل (٨/ ١٨٢)، والتحرير والتنوير (٢٢/ ٣٧١)، وروح المعاني (١١/ ٤٠٠)

<<  <   >  >>