للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

خطاب الكفار بفروع الشريعة.

قال الله تعالى: {وَيَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى النَّارِ أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا وَاسْتَمْتَعْتُمْ بِهَا فَالْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَبِمَا كُنْتُمْ تَفْسُقُونَ} [الأحقاف: ٢٠].

قال الخطيب الشربيني - رحمه الله -: (دلَّت الآية على أنّ الكفار مخاطبون بفروع الشريعة لأنّ الله تعالى عللَّ عذابهم بأمرين؛ أولهما: الكفر. وثانيهما: الفسق، وهذا الفسق لا بدّ وأن يكون مغايراً لذلك الكفر، لأنّ العطف يوجب المغايرة، فثبت أنّ فسق الكفار يوجب العقاب في حقهم، ولا معنى للفسق إلا ترك المأمورات وفعل المنهيات). (١)

الدراسة:

استنبط الخطيب بدلالة اللازم من الآية، والاقتران بين الكفر والفسق أنّ الكفار مخاطبون بفروع الشريعة، لأنّ الله تعالى علَّل عذابهم بالكفر وعطف عليه الفسق فغاير بينهما، ومعلوم أن الفسق خروج عن طاعة الله بترك المأمورات وفعل المنهيات، فدلَّ على أنهم مخاطبون بالفروع كخطابهم بالأصول.

وممن استنبط هذه الدلالة من معنى الآية: الرازي، وغيره. (٢)

وخطاب الكفار بفروع الإسلام مختلف فيه، والصحيح أنهم مخاطبون، ومكلفون بها (٣)، لدلالة النصوص على ذلك، كما في قوله تعالى: {مَا سَلَكَكُمْ فِي


(١) السراج المنير (٣/ ٧٢٣)
(٢) ينظر: التفسير الكبير (٢٨/ ٢٣).
(٣) وقيل غير مخاطبين بها، واحتجوا بأنهم لو فعلوها فى حال كفرهم لم تقبل منهم ولا يجب قضاؤها عليهم بعد الإسلام وما لم يقيل منهم فلا يخاطبون به، وهذا الاحتجاج مردود؛ لأنهم مخاطبون بها وبما لا تصح إلا به وهو الاسلام، كالمحدِث يخاطب بالصلاة وبما لا تصح الصلاة إلا به كالطهاره؛ لأن ما لا يتم الواجب الا به واجب.
ينظر تفصيل المسألة في: البرهان للجويني (١/ ١٠٧ (، والإحكام للآمدي ١/ ١٤٤، وأصول السرخسي ١/ ٧٣، والمحصول للرازي ١/ ٢/٤٠٠، وشرح الكوكب المنير ١/ ٥٠٤، وروضة الناظر ١/ ١٦٠، والفوائد الأصولية لابن اللحام الحنبلي ١/ ٧٦.

<<  <   >  >>