قال الله تعالى:{أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ}[الحجرات: ١٢].
قال الخطيب الشربيني - رحمه الله -: (في هذا التشبيه إشارة إلى أنّ عرض الإنسان كدمه ولحمه؛ لأنّ الإنسان يتألم قلبه من قرض العرض، كما يتألم جسمه من قطع اللحم، وهذا من باب القياس الظاهر؛ لأنّ عرض الإنسان أشرف من لحمه ودمه، فإذا لم يحسن من العاقل أكل لحوم الناس، لم يحسن منه قرض عرضهم بالطريق الأولى، لأنّ ذلك أشدّ ألماً، وقوله تعالى:{لَحْمَ أَخِيهِ} آكد في المنع؛ لأنّ العدوّ يحمله الغضب على مضغ لحم العدوّ، وفي قوله تعالى:{مَيْتًا} إشارة إلى دفع وهم، وهو أن يقال: إنّ الشتم في الوجه يؤلم فيُحرم، وأمّا الاغتياب فلا اطّلاع عليه فلا يؤلم، فيقال لحم الأخ وهو ميت أيضاً لا يؤلم، ومع هذا هو في غاية القبح، كما أنه لو اطلع عليه لتألم، فإنّ الميت لو أحس بأكل لحمه لآلمه، وفيه معنى لطيف، وهو أنّ الاغتياب أكل لحم الآدمي ميتاً، ولا يحل أكله إلا للمضطرّ بقدر الحاجة، والمضطرّ إذا وجد لحم الشاة الميتة ولحم الآدمي فلا يأكل لحم الآدمي، فكذلك المغتاب إذا وجد لحاجته مدفعاً غير الغيبة فلا يباح له الاغتياب). (١)
الدراسة:
استنبط الخطيب من الآية بدلالة النَّص الحكمة من تشبيه المغتاب بآكل لحم أخيه، وهي الإشارة إلى أن عرض الإنسان مثل دمه ولحمه، وهذا من باب القياس، وذلك لأن عرض المرء أشرف من لحمه، فإذا لم يحسُن أكل لحم الناس فترك أعراضهم أولى؛ لأن ذلك آلم، وأكَّده بقوله تعالى {لَحْمَ أَخِيهِ} إذ هو آكد في المنع،