للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقال القرطبي: (سوَّى الله تعالى في هذه الآية بين درجة المجاهدين والمكتسبين المال الحلال للنفقة على نفسه وعياله، والإحسان والإفضال، فكان هذا دليلاً على أن كسب المال بمنزلة الجهاد، لأنه جمعه مع الجهاد في سبيل الله). (١)

وممن استنبط هذه الدلالة من سياق الآية غير ابن الفرس والقرطبي: السمرقندي، وابن عطية، والرازي، والنسفي، والسيوطي، والألوسي، والقاسمي، وابن عاشور، وغيرهم. (٢)

وقد كان بعض الصحابة يتأوّل من هذه الآية فضيلة التجارة والسفر للتجر، كما روي عن عبدالله بن عمر وابن مسعود رضي الله عنهما. (٣)

والذي يظهر والله تعالى أعلم هوأن هذه الآية تدل على فضيلة كسب المال الحلال، كما نصَّ عليه ابن الفرس، وغيره، أما جعله بمنزلة الجهاد في سبيل الله بدلالة الاقتران كما استنبطه الخطيب فليس بظاهر، وأين بذل النفس والمال في سبيل الله من كسب المال الحلال؛ وغاية ما في هذه الآية أنه تعالى ذَكر أعذار بني آدم التي تحول بينهم وبين قيام الليل فذكر المرض والسفر في التجارة أو الغزو في


(١) الجامع لأحكام القرآن (١٩/ ٥٥)
(٢) ينظر: بحر العلوم (٣/ ٥١٢)، والمحرر الوجيز (٥/ ٣٩١)، والتفسير الكبير (٣٠/ ٦٩٥)، ومدارك التنزيل (٣/ ٥٦٠)، والإكليل (١/ ٢٧٦) قال السيوطي: هي أصل في التجارة.، وروح المعاني (١٥/ ١٢٦)، ومحاسن التأويل (٩/ ٣٤٦)، والتحرير والتنوير (٢٩/ ٢٨٥)
(٣) وإن كان إسنادها ضعيف، ولكنها في مجموعها تؤيد هذا الاستنباط. قال ابن عمر «ما خلق الله موتة بعد الموت في سبيل الله أحب إلي من أن أموت بين شعبتي رحلي أبتغي من فضل الله ضاربا في الأرض» وعن ابن مسعود: «أيما رجل جلب شيئا إلى مدينة من مدائن المسلمين صابراً محتسباً فباعه بسعر يومه كان عند الله من الشهداء». قال العراقي: رواه ابن مردويه في التفسير من حديث ابن مسعود بسند ضعيف. وأخرجه الثعلبي من رواية فرقد السبخى عن إبراهيم عن ابن مسعود موقوفا. وفرقد ضعيف. ينظر: تخريج أحاديث الإحياء (المغني عن حمل الأسفار) (١/ ٥١٦)، وينظر: معالم التنزيل للبغوي (٥/ ١٧٢)، والجامع لأحكام القرآن للقرطبي (١٩/ ٥٦).

<<  <   >  >>