فجاءت إشارة الآية إلى أن أصل الماء كله من الأرض، وهذا ما أثبته حديثاً العلم، فحقيقة إخراج كل ماء الأرض على كثرته هو من داخل الأرض، حيث أكَّد العلماء أن مصادر المياه هي الأرض ذاتها، وجاء وصف دورة الماء حول الأرض بدقة علمية فائقة، كما أُثبت أن مختلف صور الماء على سطح الأرض هي ناتجة من هذه الدورة المائية التي أظهر تعالى بها هذا الماء، والذي يعتبر ضرورة من ضرورات الحياة بطريقة مستمرة، من تبخيره إلى الغلاف المحيط بالأرض، ثم تكثيفه منه وإنزاله ماء طهوراً بتقدير من الله تعالى وحسب مشيئته وإرادته، فدلَّ على أن الماء جميعه أصله من الأرض، وإن شوهد أنه ينزل من السحاب. (١)
والذي يظهر والله تعالى أعلم صحة هذه الدلالة عل ما استنبطه الخطيب، وإن كان الجزم به يقيناً قطعاً غير ممكن، لكن ظاهره الصحة وموافقة ما أثبته العلم حديثاً، وإن كان ثبوته غير قطعي؛ إذ هو قابل للتبديل والتعديل، لكن يشهد له آيات كثيرة، منها ما أشار إلى مصدر هذه المياه، قال تعالى:{وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً بِقَدَرٍ فَأَسْكَنَّاهُ فِي الْأَرْضِ وَإِنَّا عَلَى ذَهَابٍ بِهِ لَقَادِرُونَ}[المؤمنون: ١٨].
وآية أخرى تشير إلى تخزين الماء تحت الأرض في قوله تعالى:{وَأَرْسَلْنَا الرِّيَاحَ لَوَاقِحَ فَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَسْقَيْنَاكُمُوهُ وَمَا أَنْتُمْ لَهُ بِخَازِنِينَ}[الحجر: ٢٢]. ولم يكن معروفاً لدى أحد هذه الطريقة التي يُختزن بها هذا الماء، ولكن القرآن العظيم أخبر بهذه الحقيقة، وأكد أن ماء المطر هو ذاته يتم تخزينه في الأرض بقدرة الله، ويتم تنقيته في طبقات الأرض ليصبح قابلاً للسقاية، ولذلك قال:{فَأَسْقَيْنَاكُمُوهُ}، ولا ينُبئك مثل خبير، جلَّ في عُلاه، وهو تعالى أعلم.
(١) ينظرللاستزادة: القرآن وعلوم الأرض، لمحمد سميح عافية (١/ ٩٥).