للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ففي الآية إشارة إلى علة إعراضه صلى الله عليه وسلم عن ابن أم مكتوم رجاء تزكية غيره وإسلامهم؛ فإنهم إذا أسلموا كان ذلك سبباً في إسلام من تحتهم وكان طمع النبي صلى الله عليه وسلم فيهم شديداً، وليس إعراضه احتقاراً لابن أم مكتوم- حاشاه عليه الصلاة والسلام- وإنما قصَدَ تأليف قلوبهم ثقةً بما كان في قلب ابن أم مكتوم من الإيمان، وكأنه صلى الله عليه وسلم خشي أن هؤلاء الأشراف يزدرونه إذا وجَّه وجهه لهذا الرجل الأعمى وأعرض عنهم، كما قال قوم نوح: {وَمَا نَرَاكَ اتَّبَعَكَ إِلَّا الَّذِينَ هُمْ أَرَاذِلُنَا} [هود: ١١] فكان لعبوسه وتوليه عليه الصلاة والسلام سببان الأول: رجاء إسلامهم.

والثاني: ألا يزدروه عليه الصلاة والسلام في كونه يلتفت إلى هذا الرجل الأعمى الذي هو محتقر عندهم. (١)

وممن استنبط هذه الدلالة من الآية: البيضاوي، والبقاعي، والقاسمي، وغيرهم. (٢)

وهي دلالة لطيفة حسنة، كما أن الآية تحتمل دلالة أخرى، وهي التعريض بأن من تصدَّى صلى الله عليه وسلم لتزكيتهم وتذكيرهم من الكفرة لا يرجى منهم التزكي والتذكر أصلاً، أفاده أبو السعود وغيره (٣)، والله تعالى أعلم.


(١) ينظر: تفسير العثيمين جزء عم (١/ ٦٠)، وينظر في سبب نزول هذه السورة جامع البيان للطبري (٢٤/ ٢١٩)، والجامع لأحكام القرآن للقرطبي (١٩/ ٢١٣)
(٢) ينظر: أنوار التنزيل (٥/ ٢٨٦)، ونظم الدرر في (٢١/ ٢٥٢)، ومحاسن التأويل (٩/ ٤٠٥)
(٣) ينظر: إرشاد العقل السليم لأبي السعود (٩/ ١٠٧)، وروح المعاني (١٥/ ٢٤٣)

<<  <   >  >>