للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقد اختلف الفقهاء في قبول توبة قاتل العمد، فذهب الجمهور إلى أن له توبة كسائر أصحاب الكبائر (١) لعموم قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} [النساء: ٤٨]، وعموم النصوص الواردة في قبول التوبة لكل الناس، كما قال تعالى: {وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا (٦٨) يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا (٦٩) إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا} [الفرقان: ٦٨ - ٧٠]. وأما قوله تعالى: {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا} [النساء: ٩٣]، فيحمل مطلق هذه الآية على مقيد آية الفرقان، فيكون معناه: فجزاؤه جهنم خالداً فيها ... إلا من تاب، ولأن توبة الكافر بدخوله إلى الإسلام تُقبل بالإجماع، فتوبة القاتل أولى. (٢)

قال ابن كثير: (الذي عليه الجمهور من سلف الأمة وخلفها: أن القاتل له توبة فيما بينه وبين ربه عز وجل، فإن تاب وأناب وخشع وخضع، وعمل عملاً صالحاً، بدَّل الله سيئاته حسنات، وعوَّض المقتول من ظلامته وأرضاه عن طلابته). (٣)

وقال ابن عثيمين: (فإن قلت: ماذا تقول فيما صح عن ابن عباس رضي الله عنهما: أن القاتل ليس له توبة؟! فالجواب: من أحد الوجهين:


(١) ينظر: رد المحتار لابن عابدين (٦/ ٥٤٩)، والحاوي الكبير للماوردي (١٢/ ٤)، والبيان في مذهب الإمام الشافعي للعمراني (١١/ ٢٩٧)، والمجموع للنووي (١٨/ ٣٤٦)، وأسنى المطالب للسنيكي (٤/ ٢٨١)، والفروع لابن مفلح (٩/ ٤٣٠)، والإنصاف للمرداوي (١٠/ ٣٣٥)، والإقناع في فقه الإمام أحمد بن حنبل (٤/ ٣٠٣)
(٢) ينظر: رد المحتار (٦/ ٥٤٩)، وأسنى المطالب (٤/ ٢٨١)، ومغني المحتاج (٥/ ٢١١).
(٣) تفسير القرآن العظيم (٢/ ٣٨٠)، و (٦/ ١٢٤).

<<  <   >  >>