للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الصفات الثلاث.

وأيضاً المستعاذ منه في سورة الفلق أمور تأتي من خارج الإنسان، وتأتيه اعتداءً عليه من غيره، وقد تكون شروراً ظاهرة، ومثل ذلك قد يمكن التحرز منه، أو اتقاؤه قبل وقوعه، وتجنبه إذا عُلم به. بينما الشر الواحد في السورة الثانية يأتيه من داخله، وقد تكون هواجس النفس وما لا يقدر على دفعه، إذ الشيطان يرانا ولا نراه، كما قال تعالى: {إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لَا تَرَوْنَهُمْ} [الأعراف: ٢٧]، وقد يثير عليه خلجات نفسه ونوازع فكره، فلا يجد له خلاصاً إلا بالاستعاذة واللجوء إلى رب الناس، ملك الناس، إله الناس. (١)

قال أبو حيان: (لما كانت مضرة الدين، وهي آفة الوسوسة، أعظم من مضرة الدنيا وإن عظمت، جاء البناء في الاستعاذة منها بصفات ثلاث: الرب والملك والإله، وإن اتحد المطلوب، وفي الاستعاذة من ثلاث: الغاسق والنفاثات والحاسد بصفة واحدة وهي الرب، وإن تكثّر الذي يستعاذ منه). (٢)

واستنبط هذه الدلالة من الآية أيضاً غير أبي حيان: الرازي، وحقي، وعطية سالم (٣)، وغيرهم. (٤)


(١) ينظر: أضواء البيان للشنقيطي تتمة تلميذه عطية سالم (٩/ ١٨٢)
(٢) البحر المحيط (١٠/ ٥٧٩)
(٣) هو عطية محمد سالم، عالم وقاضٍ، ولد في مصر، وتعلم بكتاتيبها، ثم نال شهادة كلية الشريعة واللغة العربية بالرياض، وانتقل إلى المدينة النبوية وتلقى العلم في حلقات المسجد النبوي، فدرس الحديث واللغة والفرائض، وتتلمذ على يد الشيخ محمد الأمين الشنقيطي، ولازمه أكثر من عشرين عاماً، وتولى التدريس في الجامعة الإسلامية بالمدينة، ثم التحق بسلك القضاء، وكان رئيساً للقضاء والمحاكم، من مؤلفاته: (تتمة تفسير أضواء البيان) و (تسهيل الوصول إلى علم الأصول) وغيرهما، توفي سنة ١٤٢٠ هـ.
ينظر: إتمام الأعلام لنزار أباظة، ومحمد رياض المالح ص ٢٨٣.
(٤) ينظر: التفسير الكبير (٣٢/ ٣٧٨)، وروح البيان (١٠/ ٥٥٠)، وأضواء البيان تتمة التفسير لعطية سالم (٩/ ١٨٢).

<<  <   >  >>