للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

حدثنا محمد بن إسماعيل الأحمسي، حدّثنا ابن فضيل، عن أشعث، عن محمد بن سيرين قال: لما توفي النبي أقسم علي أن لا يرتدي برداء إلا لجمعة حتى يجمع القرآن في مصحف ففعل، فأرسل إليه أبو بكر بعد أيام: أكرهت إمارتي يا أبا الحسن؟ فقال: لا والله إلا إني أقسمت أن لا أرتدي برداء إلا لجمعة، فبايعه ثم رجع.

هكذا رواه وفيه انقطاع.

ثم قال: لم يذكر (المصحف) (١) أحد إلا أشعث وهو لين الحديث، وإنما رووا: حتى أجمع القرآن؛ يعني: أتم حفظه، فإنه يقال للذي (يحفظ) (٢) القرآن قد جمع القرآن.

(قلت): وهذا الذي قاله أبو بكر أظهر، والله أعلم، فإن عليًا لم ينقل عنه مصحف على ما قيل ولا غير ذلك ولكن قد توجد مصاحف على الوضع العثماني يقال: إنها بخط علي ، وفي ذلك نظر فإن في بعضها: كتبه علي بن (أبو) (٣) طالب! وهذا لحن من الكلام، وعلي من أبعد الناس عن ذلك، فإنه كما هو المشهور عنه هو أول من وضع علم النحو فيما رواه عنه (أبو) (٤) الأسود ظالم بن عمرو الدؤلي، وأنه قسم الكلام إلى اسم وفعل وحرف، وذكر أشياء أخر تممها أبو الأسود بعده، ثم أخذ الناس عن أبي الأسود فوسعوه ووضحوه، وصار علمًا مستقلًا.

وأما المصاحف العثمانية الأئمة فأشهرها اليوم الذي في الشام بجامع دمشق عند الركن، شرقي المقصورة المعمورة بذكر الله، وقد كان قديمًا بمدينة طبرية، ثم نقل منها إلى دمشق في حدود ثماني عشرة وخمسمائة، وقد رأيته كتابًا عزيزًا جليلًا عظيمًا ضخمًا بخط حسن مبين قوي بحبر محكم، في رق أظنه من جلود الإبل، والله أعلم، زاده الله تشريفًا وتكريمًا وتعظيمًا.

فأما عثمان ، فما يعرف أنه كتب بخطه هذه المصاحف، وإنما كتبها زيد بن ثابت في أيامه وغيره، فنسبت إلى عثمان؛ لأنها بأمره وإشارته، ثم قرئت على الصحابة بين يدي عثمان، ثم نفذت إلى الآفاق .

وقد قال أبو بكر بن أبي داود (٥): حدثنا علي بن حرب الطائي، حدّثنا قريش بن أنس، حدّثنا


= كما قال المصنف رحمه الله تعالى. وأخرجه ابن الضريس في "فضائل القرآن" (ص ٣٦) من طريق هوذة بن خليفة، ثنا عوف، عن محمد بن سيرين، عن عكرمة فيما أحسب قال: لما كان بعد بيعة أبي بكر قعد علي بن أبي طالب في بيعته … وساق نحوه وفيه: قال أبو بكر: ما أقعدك عني؟ قال: رأيت كتاب الله يزاد فيه، فحدثت نفسي ألا ألبس ردائي إلا لصلاة جمعة حتى أجمعه، فقال له أبو بكر: فإنك نعم ما رأيت.
قال محمد بن سيرين: فقلت له: ألفوه كما أنزل الأول فالأول؟ قال: لو اجتمعت الإنس والجن على أن يؤلفوه ذلك التأليف ما استطاعوا. قال محمد: أراه صادقًا وهو منقطع أيضًا.
(١) في (ط): "الصحف".
(٢) من (ل) وهو الموافق لما في "المصاحف" (ص ١٠)، ووقع في (أ) و (ج) و (ط): "يجمع" وهو سبق قلم. والله أعلم.
(٣) في (ج): "أبي"؛ وفيه تضييع لهذا التعقب.
(٤) ساقط من (أ).
(٥) وأخرجه الطبري في "تاريخه" (٤/ ٣٨٣) من طريق معتمر بن سليمان التيمي، قال: حدثنا أبي، قال: حدثنا =