للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

سليمان التيمي، عن أبي نضرة، عن أبي سعيد مولى بني أسيد قال: لما دخل المصريون على عثمان ضربوه بالسيف على يده، فوقعت على ﴿فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ﴾ [البقرة: ١٣٧] فمد يده وقال: والله إنها لأول يد خطت المفصل.

وقال أيضًا (١): حدثنا أبو الطاهر، حدّثنا ابن وهب قال: سألت مالكًا عن مصحف عثمان فقال لي: ذهب.

يحتمل أنه سأله عن المصحف الذي كتبه بيده ويحتمل أن يكون سأله عن المصحف الذي تركه في المدينة، والله أعلم.

(قلت): وقد كانت الكتابة في العرب قليلةً جدًا، وإنما أول ما تعلموا ذلك ما ذكره هشام بن محمد بن السائب الكلبي وغيره أن بشر بن عبد الملك أخا أكيدر دومة تعلم الخط من الأنبار، ثم قدم مكة فتزوج الصهباء بنت حرب بن أمية أخت أبي سفيان صخر بن حرب بن أمية، فعلمه حرب بن أمية وابنه سفيان، وتعلمه عمر بن الخطاب من حرب بن أمية، وتعلمه معاوية من عمه سفيان بن حرب.

وقيل: إن أول من تعلمه من الأنبار قوم من "طيء" من قرية هناك يقال لها: "بقة"، ثم هذبوه ونشروه في جزيرة العرب، فتعلمه الناس.

ولهذا قال أبو بكر بن أبي داود (٢)، حدثنا عبد الله بن محمد الزهري (إن شاء الله) (٣)، حدّثنا سفيان، عن مجاهد، عن الشعبي قال: سألنا المهاجرين: من أين تعلمتم الكتابة؟ قالوا: من أهل الأنبار.

(قلت): والذي كان يغلب على زمان السلف الكتابة المتكوفة، ثم هذبها أبو علي بن مقلة الوزير، وصار له في ذلك منهج وأسلوب في الكتابة، ثم قربها علي بن هلال البغدادي المعروف بابن البواب، وسلك الناس وراءه، وطريقته في ذلك واضحة جيدة (٤).

والغرض أن الكتابة لما كانت في ذلك الزمان لم تحكم جيدًا، وقع في كتابة المصاحف اختلاف في وضع الكلمات من حيث صناعة الكتابة لا من حيث المعنى، وصنف الناس في ذلك. واعتنى بذلك الإمام الكبير أبو عبيد القاسم بن سلام في كتابه: "فضائل القرآن"،


= أبو نضرة، عن أبي سعيد مولى أبي أسيد فذكره.
وأخرجه عمر بن شبة في "تاريخ المدينة" (٣/ ١١٣٨، ١١٣٩) من طريق سعيد بن يزيد، حدثنا أبو نضرة، عن أبي سعيد به؛ وأخرجه الطبراني في "الكبير" (ج ١/ رقم ١١٩) من طريق الزهري عن أبي سلمة قال: لما ضرب الرجل يد عثمان قال: إنها لأول يد خطت المفصل. وحسنه الهيثمي في "المجمع" (٩/ ٩٤) وليس بحسن؛ لأنه منقطع بين أبي سلمة وعثمان. والله أعلم.
(١) أخرجه ابن أبي داود (ص ٣٥) وسنده صحيح.
(٢) أخرجه ابن أبي داود (ص ٤) وسنده صحيح إلى الشعبي.
(٣) ساقط من (أ) و (ل).
(٤) وقال ابن خلكان في "وفيات الأعيان" (٣/ ٣٤٢): "هذب ابن البواب طريقة ابن مقلة نقحها، وكساها طلاوة وبهجة".