للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

للناس: أؤخبركم بخير مما زين للناس في هذه الحياة الدنيا من زهرتها ونعيمها الذي هو زائل لا محالة، ثم أخبر عن ذلك، فقال: ﴿لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ﴾ أي: تتخرق (١) بين جوانبها وأرجائها الأنهار من أنواع الأشربة من العسل واللبن والخمر والماء وغير ذلك مما لا عين رأت ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر ﴿خَالِدِينَ فِيهَا﴾ أي: ماكثين فيها أبدًا لا يبغون عنها حولًا.

﴿وَأَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ﴾ أي: من الدنس والخبث والأذى والحيض والنفاس وغير ذلك مما يعتري نساء الدنيا ﴿وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ﴾ أي: يحلّ عليهم رضوانه فلا يسخط عليهم بعده أبدًا، ولهذا قال تعالى في الآية الأخرى التي في براءة ﴿وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ أَكْبَرُ﴾ [٧٢]، أي: أعظم مما أعطاهم من النعيم المقيم، ثم قال تعالى: ﴿وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ﴾ أي: يعطي كلا بحسب ما يستحقه من العطاء.

﴿الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا إِنَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ (١٦) الصَّابِرِينَ وَالصَّادِقِينَ وَالْقَانِتِينَ وَالْمُنْفِقِينَ وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالْأَسْحَارِ (١٧)﴾.

يصف عباده المتقين الذين وعدهم الثواب الجزيل، فقال تعالى: ﴿الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا إِنَّنَا آمَنَّا﴾ أي: بك وبكتابك وبرسولك، ﴿فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا﴾ أي: بإيماننا بك وبما شرعته لنا، فاغفر لنا ذنوبنا وتقصيرنا في أمرنا بفضلك ورحمتك، ﴿وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ﴾

ثم قال تعالى: ﴿الصَّابِرِينَ﴾ أي: في قيامهم بالطاعات وتركهم المحرمات، ﴿وَالصَّادِقِينَ﴾ فيما أخبروا به من إيمانهم بما يلتزمونه (٢) من الأعمال الشاقة، ﴿وَالْقَانِتِينَ﴾ والقنوت الطاعة والخضوع ﴿وَالْمُنْفِقِينَ﴾ أي: من أموالهم في جميع ما أمروا به من الطاعات، وصلة الأرحام والقرابات، وسد الخلات، ومواساة ذوي الحاجات ﴿وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالْأَسْحَارِ﴾ دَلّ على فضيلة الاستغفار وقت الأسحار، وقد قيل: إن يعقوب ، لما قال لبنيه: ﴿سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّي﴾ [يوسف: ٩٨] إنه أخرهم إلى وقت السحر.

وثبت في الصحيحين وغيرهما من المسانيد والسنن من غير وجه عن جماعة من الصحابة أن رسول الله ، قال: "ينزل الله في كل ليلة إلى سماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الأخير، فيقول: هل من سائل فأعطيه؟ هل من داع فأستجيب له؟ هل من مستغفر فأغفر له؟ … " الحديث (٣).

وقد أفرد الحافظ أبو الحسن الدارقطني في ذلك جزءًا على حِدة، فرواه من طرق متعددة.

وفي الصحيحين عن عائشة قالت: "مِن كلّ الليل قد أوتر رسول الله من أوله وأوسطه وآخره، فانتهى وتره إلى السحر" (٤).


(١) كذا في (عف) و (ح) و (حم) في الأصل: "تجري" وهو تصحيف.
(٢) كذا في (عف) و (ح) و (حم) وفي الأصل: "يلزمون" وهو تصحيف.
(٣) صحيح البخاري، التهجد، باب الدعاء والصلاة آخر الليل (ح ١١٤٥)، وصحيح مسلم، صلاة المسافرين، باب الترغيب في الدعاء (ح ٧٥٨).
(٤) صحيح البخاري، الوتر، باب ساعات الوتر (ح ٩٩٦)، وصحيح مسلم، صلاة المسافرين (ح ٧٤٥).