للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وقال الحافظ أبو القاسم الطبراني في المعجم الكبير: حدثنا عبدان بن أحمد وعلي بن سعيد الرازي، قالا: حدثنا عمار بن عمر بن المختار، [حدثني أبي] (١)، حدثني غالب القطان قال: أتيت الكوفة في تجارة، فنزلت قريبًا من الأعمش، فلما كانت ليلة أردت أن أنحدر قام فتهجد من الليل فمرَّ بهذه الآية ﴿شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (١٨) إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ﴾ ثم قال الأعمش: وأنا أشهد بما شهد الله به، وأستودع الله هذه الشهادة وهي لي عند الله وديعة ﴿إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ﴾ قالها مرارًا، قلت: لقد سمع فيها شيئًا فغدوت إليه فودعته ثم قلت: يا أبا محمد، إني سمعتك تردِّد هذه الآية، قال: أو ما بلغك ما فيها؟ قلت: أنا عندك منذ شهر لم تحدثني. قال: والله لا أحدثك بها إلى سنة، فأقمت سنة، فكنت على بابه، فلما مضت السنة قلت: يا أبا محمد، قد مضت السنة قال: حدثني أبو وائل عن عبد الله، قال: قال رسول الله : "يجاء بصاحبها يوم القيامة، فيقول الله ﷿: عبدي عهد إليّ وأنا أحق من وفى بالعهد، أدخلوا عبدي الجنة" (٢).

وقوله تعالى: ﴿إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ﴾ إخبار منه تعالى بأنه لا دين عنده يقبله من أحد سوى الإسلام، وهو اتباع الرسل فيما بعثهم الله به في كل حين حتى ختموا بمحمد الذي سدَّ جميع الطرق إليه إلا من جهة محمد ، فمن لقي الله بعد بعثة محمد بدين على غير شريعته فليس بمتقبل، كما قال تعالى: ﴿وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ (٨٥)[آل عمران]، وقال في هذه الآية مخبرًا بانحصار الدين المتقبل عنده في الإسلام: ﴿إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ﴾، وذكر ابن جرير أن ابن عباس قرأ ﴿شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (١٨) إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ﴾، بكسر ﴿أَنَّهُ﴾ وفتح ﴿إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ﴾ (٣).

أي: شهد هو والملائكة (٤) وأولوا العلم من البشر بأن الدين عند الله الإسلام، والجمهور قرؤوها بالكسر على الخبر، وكلا المعنيين صحيح، ولكن هذا على قول الجمهور أظهر، والله أعلم.

ثم أخبر تعالى بأن الذين أوتوا الكتاب الأول، إنما اختلفوا بعدما قامت عليهم الحجة بإرسال الرسل إليهم وإنزال الكتب عليهم، فقال: ﴿وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ﴾ أي: بغى بعضهم على بعض فاختلفوا في الحق لتحاسدهم وتباغضهم وتدابرهم، فحمل بعضهم بغض البعض الآخر على مخالفته في جميع أقواله وأفعاله وإن كانت


= ٦/ ١٤٩)، وابن أبي حاتم (الجرح والتعديل ٦/ ١٠٢)، ومحمد بن المتوكل: وهو صدوق له أوهام كثيرة (التقريب ٢/ ٢٠٤).
(١) ما بين معقوفين سقط واستدرك من (عف) و (ح) و (حم) والتخريج.
(٢) أخرجه الطبراني بسنده ومتنه (المعجم الكبير ١٠/ ٢٤٥ ح ١٠٤٥٣)، وفي سنده: عمر المختار وهو متهم بالوضع (ميزان الاعتدال ٤/ ١٤٣).
(٣) تفسير الطبري ٦/ ٢٦٨، ومعاني القرآن للفراء ١/ ١٩٩، وقراءة: "إِنه" شاذة وأما قراءة "أن الدين" فهي متواترة قرأ بها الكسائي.
(٤) كذا في الأصل و (حم)، وفي (عف) و (ح): "والملائكة".