للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

أي: يخوفكم عقابه، ثم قال مرجيًا لعباده لئلا ييئسوا من رحمته ويقنطوا من لطفه: ﴿وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ﴾، قال الحسن البصري: من رأفته بهم حذرهم نفسه (١).

وقال غيره: أي رحيم بخلقه يحب [لهم] (٢) أن يستقيموا على صراطه المستقيم ودينه القويم وأن يتبعوا رسوله الكريم.

﴿قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٣١) قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ (٣٢)﴾.

هذه الآية الكريمة حاكمة على من ادعى محبة الله وليس هو على الطريقة المحمدية، فإنه كاذب في دعواه في نفس الأمر حتى يتبع الشرع المحمدي والدين النبوي في جميع أقواله وأفعاله وأحواله، كما ثبت في الصحيح عن رسول الله ، أنه قال: "من عمل عملًا ليس عليه أمرنا فهو ردّ" (٣)، ولهذا قال: ﴿قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ﴾ أي: يحصل (٤) لكم فوق ما طلبتم من محبتكم إياه وهو محبته إياكم، وهو أعظم من الأول، كما قال بعض الحكماء (٥) العلماء: ليس الشأن أن تُحِبَّ، إنما الشأن أن تُحَبَّ.

وقال الحسن البصري وغيره من السلف: زعم قوم أنهم يحبون الله، فابتلاهم الله بهذه الآية، فقال: ﴿قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ﴾.

وقد قال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي، حدثنا علي بن محمد الطنافسي، حدثنا عبيد الله بن موسى، عن عبد الأعلى بن أعين، عن يحيى بن أبي كثير، عن عروة، عن عائشة ، قالت: قال رسول الله : "وهل الدين إلا الحب والبغض، قال (٦) الله تعالى: ﴿قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي﴾ ". قال أبو زرعة: عبد الأعلى هذا: منكر الحديث (٧).

ثم قال تعالى: ﴿وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ أي باتباعكم الرسول ، يحصل لكم هذا كله من بركة سفارته (٨)،

ثم قال تعالى آمرًا لكل أحد من خاص وعام: ﴿قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا﴾ أي: تخالفوا عن أمره ﴿فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ﴾ فدل على أن مخالفته في الطريقة كفر، والله لا يحبُّ من اتصف بذلك، وإن ادعى وزعم في نفسه أنه يحب للّه ويتقرب إليه حتى يتابع الرسول النبي


(١) أخرجه ابن أبي حاتم من طريق فيض بن إسحاق عن الفضيل بن عياض، عن الحسن. وفيض بن إسحاق سكت عنه البخاري (التاريخ الكبير ٧/ ١٣٩)، وابن أبي حاتم في الجرح والتعديل ٧/ ٨٨.
(٢) "لهم" زيادة من (عف) و (مح) و (حم).
(٣) أخرجه مسلم (الصحيح، الأقضية باب ١٨) وأخرجه البخاري تعليقًا (الصحيح، البيوع، باب النجش). في أوله: وأخرجه موصولًا عن عائشة بلفظ: "من أحدث في أمرنا هذا ما ليس فيه فهو ردّ" (الصحيح، الصلح، باب إذا اصطلحوا على صلح جور ح ٢٦٩٧).
(٤) كذا في (عف) و (ح) و (حم) و (مح) وفي الأصل: "يجعل" وهو تصحيف.
(٥) "الحكماء" زيادة من (عف) و (ح) و (حم) و (مح).
(٦) كذا في (عف) و (ح) و (حم) و (مح) وفي الأصل كما قال بزيادة لفظ "كما" والصواب هو المثبت كما في تفسير ابن أبي حاتم.
(٧) أخرجه ابن أبي حاتم بسنده ومتنه، وتعليقه بأنه منكر.
(٨) كذا في النسخ وفي نسخه (عف) فوق هذه الكلمة وردت لفظ: رسالته وكأنه يبين معنى: سفارته.