للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

فقالت: ﴿رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا فَتَقَبَّلْ مِنِّي إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ﴾ أي: السميع لدعائي العليم بنيتي، ولم تكن تعلم ما في بطنها: أذكرًا أم أنثى؟

﴿فَلَمَّا وَضَعَتْهَا قَالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنْثَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ﴾ قرئ برفع التاء، على أنها تاء المتكلم، وأن ذلك من تمام قولها، وقرئ بتسكين التاء (١)، على أنه من قول الله ﷿، ﴿وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثَى﴾ أي: في القوة والجلد في العبادة وخدمة المسجد الأقصى ﴿وَإِنِّي سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ﴾ فيه دليل (٢) على جواز التسمية يوم الولادة كما هو الظاهر من السياق لأنه شرع من قبلنا، وقد حكي مقررًا، وبذلك ثبتت السنة عن رسول الله حيث قال: "ولد لي الليلة ولد سميته باسم أبي إبراهيم" أخرجاه (٣)، وكذلك ثبت فيهما: أن أنس بن مالك ذهب بأخيه (٤) حين ولدته أمه إلى رسول الله فحنكه وسماه عبد الله (٥).

وفي صحيح البخاري: أن رجلًا قال: يا رسول الله ولد لي الليلة ولد فما أسميه؟ قال: "اسم ولدك عبد الرحمن " (٦)، وثبت في الصحيح أيضًا: أنه لما جاءه أبو أُسيد بابنه ليحنكه، فذهل عنه، فأمر به أبوه، فردَّه إلى منزلهم، فلما ذكر رسول الله في المجلس سماه المنذر (٧).

فأما حديث قتادة عن الحسن البصري، عن سمرة بن جندب، أن رسول الله ، قال: "كل غلام رهين بعقيقته، يذبح عنه يوم سابعه، ويسمى ويحلق رأسه" فقد رواه أحمد وأهل السنن، وصححه الترمذي بهذا اللفظ، وروي: ويُدَمّى (٨)، وهو أثبت وأحفظ، والله أعلم. وكذا ما رواه الزبير بن بكار في كتاب "النسب" أن رسول الله ، عقَّ عن ولده إبراهيم يوم سابعه وسماه إبراهيم، فإسناده لا يثبت، وهو مخالف لما في الصحيح، ولو صحَّ لحمل على أنه أَشْهَرَ اسمه بذلك يومئذٍ، والله أعلم، وقوله: إخبارًا عن أُم مريم أنها قالت: ﴿وَإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ﴾ أي: عوَّذتها بالله ﷿ من شر الشيطان، وعوَّذت ذريتها وهو ولدها عيسى ، فاستجاب الله لها ذلك، كما قال عبد الرزاق: أنبأنا معمر عن الزهري، عن ابن المسيب، [عن أبي هريرة] (٩) قال: قال رسول الله: "ما من مولود يولد إلا مسَّه الشيطان حين يولد، فيستهل


(١) وكلتاهما قراءة متواترة.
(٢) كذا في (عف) و (مح)، وفي الأصل (وح) و (حم) بلفظ: "دلالة" وكلاهما صحيح.
(٣) أخرجه البخاري من حديث أنس (الصحيح، الجنائز، باب قول النبي : "إنا بك لمحزونون" ح ١٣٠٣)، ومسلم في الصحيح، الفضائل (ح ٢٣١٥).
(٤) كذا في (عف) و (ح) و (حم) و (مح)، وفي الأصل: "ذهب إلى ناحية" وهو تصحيف والتصويب أيضًا من التخريج.
(٥) صحيح البخاري، العقيقة، باب تسمية المولود (ح ٥٤٥٧)، وصحيح مسلم، الأدب (ح ٢١٤٤).
(٦) صحيح البخاري، الأدب، باب أحب الأسماء إلى الله (ح ٦١٨٦).
(٧) صحيح البخاري، الأدب، باب تحويل الاسم (ح ٦١٩١).
(٨) أخرجه الإمام أحمد من طريق همام عن قتادة به، وبلفظ بالروايتين (المسند ٣٣/ ٢٧١ ح ٢٠٠٨٣)، وصححه محققوه، وقد ذكر الحافظ ابن حجر تفسير: ويدمي (الفتح ٩/ ٥٩٣)، وأخرجه أبو داود، السنن، الأضاحي، باب في العقيقة (ح ٢٨٣٧)، والترمذي وصححه، السنن، الأضاحي، باب ما جاء في العقيقة (ح ١٥٢٢)، والنسائي، السنن، العقيقة، باب متى يعق؟ ٧/ ١٦٦، وابن ماجه، السنن، الذبائح، باب العقيقة (ح ٣١٦٥)، وصححه الألباني في صحيح سنن ابن ماجه (ح ٢٥٦٣).
(٩) ما بين معقوفين سقط من الأصل واستدرك من (عف) و (حم) و (ح) والتخريج.