للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

ذلك. وهذا قول أُبي بن كعب وأبي موسى الأشعري. وهو المشهور عن ابن عباس. وهو مذهب الشعبي وابن أبي ليلى وأبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد بن الحسن والحسن بن زياد [وزفر] (١) بن الهُذيل والإمام أحمد بن حنبل ويحيى بن آدم ونعيم بن حماد وأبي ثور وداود بن علي الظاهري، [واختاره أبو الحسين بن اللبان الفرضي] (٢) في كتابه (الإيجاز). وقوله: ﴿مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَى بِهَا أَوْ دَيْنٍ غَيْرَ مُضَارٍّ﴾ أي: لتكن وصيته على العدل لا على الإضرار والجور والحيف بأن يحرم بعض الورثة أو ينقصه، أو يزيده على ما قدر الله له من الفريضة، فمن سعى في ذلك، كان كمن ضادّ الله في حكمته، وقسمته. ولهذا قال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي، حدثنا أبو النضر الدمشقي الفراديسي، حدثنا عمر بن المغيرة، عن داود بن أبي هند، عن عكرمة، عن ابن عباس، عن النبي ، قال: "الإضرار في الوصية من الكبائر" (٣). وكذا رواه ابن جرير من طريق عمر بن المغيرة هذا، وهو أبو حفص بصري سكن المصيصة، قال أبو القاسم بن عساكر: ويعرف بمفتي المساكين، وروى عنه غير واحد من الأئمة، وقال فيه أبو حاتم الرازي: هو شيخ (٤)، وقال علي بن المديني: هو مجهول لا أعرفه، لكن رواه النسائي في سننه عن علي بن حجر، عن علي بن مسهر، عن داود بن أبي هند، عن عكرمة، عن ابن عباس موقوفًا: "الإضرار في الوصية من الكبائر" وكذا رواه ابن أبي حاتم عن أبي سعيد الأشج، عن عائذ بن حبيب، عن داود بن أبي هند (٥)، ورواه ابن جرير من حديث جماعة من الحفاظ عن داود، عن عكرمة، عن ابن عباس موقوفًا (٦)، وفي بعضها: ويقرأ ابن عباس ﴿غَيْرَ مُضَارٍّ﴾. قال ابن جرير: والصحيح الموقوف، ولهذا اختلف الأئمة في الإقرار للوارث، هل هو صحيح أم لا؟ على قولين:

(أحدهما): لا يصح لأنه مظنة التهمة أن يكون قد أوصى له بصيغة الإقرار. وقد ثبت في الحديث الصحيح أن رسول الله قال: "إن الله قد أعطى كل ذي حق حقه فلا وصية لوارث". وهذا مذهب مالك وأحمد بن حنبل وأبي حنيفة، والقول القديم للشافعي ، وذهب في الجديد إلى أنه يصح الإقرار. وهو مذهب طاوس وعطاء والحسن وعمر بن عبد العزيز واختاره البخاري في صحيحه، واحتج بأن رافع بن خدج أوصى أن لا تكشف الفزارية عما أغلق عليه بابها، قال: وقال بعض الناس: لا يجوز إقراره لسوء الظن به للورثة، وقد قال النبي : "إياكم والظن، فإن الظن


(١) كذا في (ح) و (حم) و (مح)، وفي الأصل: "زيد" وهو تصحيف.
(٢) كذا في (ح) و (حم) و (مح)، وفي الأصل: "وأحباهم أبو الحسين بن اللبان القرظي" وهو تصحيف في أوله وآخره.
(٣) أخرجه ابن أبي حاتم بسنده ومتنه، في سنده عمر المغيرة ضعيف جدًّا (تهذيب التهذيب ١/ ٢٢٠)، ولم يصح مرفوعًا، وإنما صح موقوفًا، وأخرجه الطبري والبيهقي من طرق عن ابن عباس موقوفًا، وعقب البيهقي فقال: هذا هو الصحيح موقوف (السنن الكبرى ٦/ ٢٧١)، وأخرجه العقيلي في الضعفاء وقال: لا يعرف أحد رفعه غير عمر بن المغيرة المصيصي (انظر: نصب الراية ٤/ ٤٠٢)، وصححه الطبري موقوفًا أيضًا كما نقل عنه الحافظ ابن كثير.
(٤) الجرح والتعديل (٦/ ١٣٦).
(٥) أخرجه ابن أبي حاتم بسنده ومتنه، وسنده حسن.
(٦) أخرجه الطبري بسنده ومتنه، وسنده حسن.