للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

أكذب الحديث" وقال الله تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا﴾ [النساء: ٥٨] فلم يخص وارثًا ولا غيره (١)، انتهى ما ذكره. فمتى كان الإقرار صحيحًا مطابقًا لما في نفس الأمر، جرى فيه هذا الخلاف، ومتى كان حيلة ووسيلة إلى زيادة بعض الورثة ونقصان بعضهم، فهو حرام بالإجماع وبنص هذه الآية الكريمة ﴿غَيْرَ مُضَارٍّ وَصِيَّةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَلِيمٌ﴾ ثم قال تعالى:

﴿تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (١٣) وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ (١٤)﴾.

أي هذه الفرائض والمقادير التي جعلها الله للورثة بحسب قربهم من الميت واحتياجهم إليه [وفقدهم] (٢) له عند عدمه، هي حدود الله، فلا تعتدوها ولا تجاوزوها، ولهذا قال: ﴿وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ﴾ أي: فيها فلم يزد بعض الورثة ولم ينقص بعضها بحيلة ووسيلة، بل تركهم على حكم الله وفريضته وقسمته ﴿يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (١٣)

﴿وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ (١٤)﴾ أي: لكونه غير ما حكم الله به وضادّ الله في حكمه، وهذا إنما يصدر عن عدم رضى بما قسم الله وحكم به، وضاد الله في حكمه وهذا إنما يصدر عن عدم الرضا بما قسم الله وحكم به، ولهذا يجازيه بالإهانة في العذاب الأليم المقيم - قال الإمام أحمد: حدثنا عبد الرزاق، حدثنا معمر، عن أيوب، عن أشعث بن عبد الله، عن شهر بن حوشب، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله : "إن الرجل ليعمل بعمل أهل الجنة سبعين سنة، فإذا أوصى حاف في وصيته فيختم بشر عمله فيدخل النار، وإن الرجل ليعمل بعمل أهل الشر سبعين سنة، فيعدل في وصيته فيختم له بخير عمله فيدخل الجنة" قال: ثم يقول أبو هريرة: اقرؤوا إن شئتم ﴿تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ﴾ إلى قوله: ﴿عَذَابٌ مُهِينٌ﴾ (٣).

قال أبو داود في باب الإضرار في الوصية من سننه: حدثنا عَبْدَة بن عبد الله، أخبرنا عبد الصمد، حدثنا نصر بن علي الحُدّاني، حدثنا الأشعث بن عبد الله بن جابر الحداني، حدثني شهر بن حوشب أن أبا هريرة حدثه أن رسول الله قال: "إن الرجل ليعمل أو المرأة بطاعة الله ستين سنة ثم يحضرهما الموت، فيُضارّان في الوصية، فتجب لهما النار" وقال: قرأ عليّ أبو هريرة من ههنا ﴿مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَى بِهَا أَوْ دَيْنٍ غَيْرَ مُضَارٍّ﴾ [النساء: ١٢] حتى بلغ ﴿وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ﴾ (٤)،


(١) ذكر البخاري مذهب طاوس وعطاء والحسن وعمر بن عبد العزيز وقول رافع والحريث، والتعليق كله معلقًا الصحيح، الوصايا، باب قول الله ﷿: ﴿مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَى بِهَا أَوْ دَيْنٍ﴾ [النساء: ١٢] قبل حديث رقم ٢٧٤٩، والحديث ذكر الحافظ ابن حجر أن البخاري وصله في الأدب المفرد (الفتح ٥/ ٣٧٦).
(٢) كذا في (ح) و (حم) و (مح)، وفي الأصل: "وفقرهم" وهو تصحيف.
(٣) أخرجه الإمام أحمد بسنده ومتنه (المسند ح ٧٧٢٨)، وسنده ضعيف بسبب شهر بن حوشب صدوق كثير الإرسال والأوهام (التقريب ص ٢٦٩).
(٤) أخرجه أبو داود بسنده ومتنه (السنن، الوصايا، باب ما جاء في كراهية الإضرار في الوصية ح ٢٨٦٧)، ولم يذكره الألباني في صحيح سنن أبي داود.