للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

عائشة بنت طلحة شيئًا كثيرًا ذكرناه في التاريخ، وأُصدقت فاطمة بنت الحسين بن علي ألف ألف، ومثل هذه الأشياء كانت تشتهر في زمانها ولم يبلغنا عن أحد من أئمة تلك المدة إنكار ذلك والله أعلم، وأما مغالاة بني أمية وبني العباس وأهل دولتهم في الأصدقة فشيء عجيب وتكثير بعيد لما فيه من السرف، والله أعلم.

ولهذا قال [منكرًا] (١): ﴿وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ﴾ أي: وكيف تأخذون الصداق من المرأة وقد أفضيت إليها وأفضت إليك؟ قال ابن عباس ومجاهد والسدي وغير واحد: يعني بذلك الجماع (٢)، وقد ثبت في الصحيحين أن رسول الله ، قال للمتلاعنين بعد فراغهما من تلاعنهما: "الله يعلم أن أحدكما كاذب، فهل منكما تائب؟ " [ثلاثًا] (٣)، فقال الرجل: يا رسول الله مالي؟ - يعني ما أصدقها - قال: "لا مال لك، إن كنت صدقت عليها فهو بما استحللت من فرجها، وإن كنت كذبت عليها فهو أبعد لك منها" (٤). في سنن أبي داود وغيره عن بصرة بن أبي بصرة (٥) أنه تزوج امرأة بكرًا في خدرها، فإذا هي حبلى من الزنا، فأتى رسول الله فذكر ذلك له، فقضى لها بالصداق، وفرق بينهما، وأمر بجلدها، وقال: "الولد عبد لك" (٦)، فالصداق في مقابلة البضع. ولهذا قال تعالى: ﴿وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ﴾.

وقال تعالى: ﴿وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا﴾ [روي عن ابن عباس ومجاهد وسعيد بن جبير، أن المراد بذلك العقد (٧). وقال سفيان الثوري عن حبيب بن أبي ثابت، عن ابن عباس في قوله: ﴿وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا﴾] (٨)، قال: إمساك بمعروف أو تسريح بإحسان (٩). قال ابن أبي حاتم: وروي عن عكرمة ومجاهد وأبي العالية والحسن وقتادة ويحيى بن أبي كثير والضحاك والسدي، نحو ذلك (١٠). وقال أبو جعفر الرازي عن الربيع بن أنس ﴿وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا﴾: هو قوله: "أخذتموهن بأمانة الله، واستحللتم فروجهن بكلمة الله" فإن


(١) زيادة من (ح) و (مح) و (حم).
(٢) قول ابن عباس أخرجه ابن أبي حاتم بسند صحيح من طريق بكر بن عبد الله المزني عنه، وقول مجاهد أخرجه الطبري بسند صحيح عن ابن أبي نجيح عنه، وقول السدي أخرجه الطبري بسند حسن من طريق أسباط عنه.
(٣) زيادة من (ح) و (حم) و (مح) والتخريج.
(٤) أخرجه البخاري من حديث ابن عمر (الصحيح، الطلاق، باب قول الإمام للمتلاعنين: إن أحدكما كاذب .. ح ٥٣١٢)، وأخرجه مسلم (الصحيح، اللعان، الحديث الرابع رقم ١٤٩٣).
(٥) كذا في الأصل وفي سنن أبي داود: "بصرة ابن أكثم"، وكلاهما صحابي.
(٦) أخرجه أبو داود من طريق ابن جريج عن صفوان بن سليم عن سعيد بن المسيب عن رجل من الأنصار … يقال له: بصرة بنحوه (السنن، النكاح، باب في الرجل يتزوج المرأة فيجدها حبلى ح ٢١٣١)، وذكر أبو حاتم أنه مرسل (العلل ١/ ٤١٨)، وفي سنده ابن جريج لم يصرح بالسماع.
(٧) قول ابن عباس أخرجه ابن أبي حاتم بسند حسن من طريق حبيب بن أبي ثابت عنه، وقول مجاهد أخرجه ابن أبي حاتم بسند حسن، وقول سعيد بن جبير ذكره ابن أبي حاتم بحذف السند.
(٨) زيادة من (ح) و (حم) و (مح).
(٩) سنده حسن.
(١٠) ذكرهم ابن أبي حاتم كلهم بحذف الإسناد.