للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

واختلفوا هل يحرم لبن الفحول، كما هو قول الجمهور الأئمة الأربعة وغيرهم، أو إنما يختص الرضاع بالأم فقط، ولا ينتشر إلى ناحية الأب، كما هو قول لبعض السلف؟ على قولين، تحرير هذا كله في كتاب الأحكام الكبير.

وقوله: ﴿وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ وَرَبَائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ﴾، أما أم المرأة فإنها تحرم بمجرد العقد على ابنتها، سواء دخل بها أو لم يدخل، وأما الربيبة وهي بنت المرأة فلا تحرم بمجرد العقد على أمها حتى يدخل، فإن طلّق الأم قبل الدخول بها جاز له أن يتزوج بنتها، ولهذا قال: ﴿وَرَبَائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ﴾ أي: في تزويجهن، فهذا خاص بالربائب [وحدهنّ. وقد توهم (١) بعضهم عود الضمير إلى الأمهات والربائب] (٢)، فقال: لا تحرم واحدة من الأم ولا البنت بمجرد العقد على الأخرى حتى يدخل بها، لقوله: ﴿فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ﴾.

وقال ابن جرير: حدثنا ابن بشار، حدثنا ابن أبي عدي وعبد الأعلى، عن سعيد، عن قتادة، عن خلاس بن عمرو، عن علي رضي الله تعالى عنه، في رجل تزوج امرأة فطلقها قبل أن يدخل بها، أيتزوج أمها؟ قال: هي بمنزلة الربيبة (٣). وحدثنا ابن بشار، حدثنا يحيى عن (٤) سعيد، عن قتادة، عن سعيد بن المسيب، عن زيد بن ثابت، قال: إذا طلق الرجل امرأته قبل أن يدخل بها فلا بأس أن يتزوج أمها (٥). وفي رواية عن قتادة، عن سعيد، عن زيد بن ثابت، أنه كان يقول: إذا ماتت عنده فأخذ ميراثها كره أن يخلف على أمها، فإذا طلقها قبل أن يدخل بها فإن شاء فعل (٦).

وقال ابن المنذر: حدثنا إسحاق عن عبد الرزاق، عن ابن جريج، قال: أخبرني أبو بكر بن حفص، عن مسلم بن عويمر الأجدع، أن بكر بن كنانة أخبره أن أباه أنكحه امرأة بالطائف، قال: فلم أجامعها حتى توفى عمي عن أمها، وأمها ذات مال كثير، فقال أبي: هل لك في أمها؟ قال: فسألت ابن عباس وأخبرته الخبر، فقال: انكح أمها؟ قال: وسألت ابن عمر، فقال: لا تنكحها، فأخبرت أبي ما قال ابن عباس، وما قال ابن عمر، فكتب إلى معاوية فأخبره في كتابه ما قال ابن عمر وابن عباس، فكتب معاوية: إني لا أحل ما حرم الله، ولا أحرم ما أحل الله، وأنت وذاك والنساء سواها كثير. فلم ينه ولم يأذن لي، فانصرف أبي عن أمها فلم ينكحها (٧).


(١) قوله: "وقد توهم" كذا في (ح) و (حم)، وفي (مح): "فهم".
(٢) ما بين معقوفين سقط في الأصل، واستدرك من (ح) و (حم) و (مح).
(٣) أخرجه الطبري بسنده ومتنه، وأخرجه ابن أبي شيبة من طريق سعيد بن أبي عروبة به (المصنف ١٤/ ١٧١)، وسنده صحيح.
(٤) في الأصل: "بن سعيد"، وكذا في الطبري، وفي بعض النسخ كما أثبت.
(٥) أخرجه الطبري بسنده ومتنه، وسنده صحيح.
(٦) أخرجه الطبري من طريق حميد بن مسعدة عن يزيد بن زريع عن قتادة به، وسنده حسن.
(٧) أخرجه عبد الرزاق عن ابن جريج به (المصنف ٦/ ٢٧٥ رقم ١٠٨١٩)، ومسلم بن عويمر لم أجد له ترجمة.