للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

عبد الرحمن بن إبراهيم، حدثنا أبو عبد الرحمن المقري، عن موسى بن أيوب الغافقي، حدثني عمي إياس بن عامر، قال: سألت علي بن أبي طالب فقلت: إن لي أختين مما ملكت يميني، اتخذت إحداهما سرية فولدت لي أولادًا ثم رغبت في الأخرى فما أصنع؟ فقال علي : تعتق التي كنت تطأ ثم تطأ الأخرى، قلت: فإن ناسًا يقولون: بل تزوجها ثم تطأ الأخرى، فقال علي: أرأيت إن طلقها زوجها أو مات عنها، أليس ترجع إليك؟ لأن تعتقها أسلم لك. ثم أخذ علي بيدي فقال لي: إنه يحرم عليك مما ملكت يمينك ما يحرم عليك في كتاب الله ﷿ من الحرائر إلا العدد، أو قال: إلا الأربع، ويحرم عليك من الرضاع ما يحرم عليك في كتاب الله من النسب، ثم قال أبو عمر: هذا الحديث رحلة، لو لم يصب الرجل من أقصى المغرب أو المشرق إلى مكة غيره لما خابت رحلته (١). قلت: وقد روي عن علي نحو ما روي عن عثمان.

وقال أبو بكر بن مردويه: حدثنا محمد بن أحمد بن إبراهيم، حدثنا محمد بن العباس، حدثنا محمد بن عبد الله بن المبارك المخرمي، حدثنا عبد الرحمن بن غزوان، حدثنا سفيان، عن عمرو بن دينار، عن عكرمة، عن ابن عباس، قال: قال لي علي بن أبي طالب: حرمتهما آية وأحلتهما آية - يعني: الأختين -[قال ابن عباس] (٢): فحُرِمهنّ عليّ قرابتي منهن ولا يحرمهن عليّ قرابة بعضهن من بعض، يعني: الإماء وكانت الجاهلية يحرمون ما تحرمون إلا امرأة الأب والجمع بين الأختين. فلما جاء الإسلام أنزل [اللّه ﴿وَلَا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ﴾ [النساء: ٢٢]] (٣). ﴿وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ﴾ يعني: في النكاح (٤)، ثم قال أبو عمر: روى الإمام أحمد بن حنبل، حدثنا محمد بن سلمة، عن هشام، عن ابن سيرين، عن ابن مسعود قال: يحرم من الإماء ما يحرم من الحرائر إلا العدد، وعن ابن سيرين والشعبي نحو ذلك.

قال أبو عمر: وقد روي مثل قول عثمان عن طائفة من السلف منهم ابن عباس، ولكنهم اختلف عليهم، ولم يلتفت إلى ذلك أحد من فقهاء الأمصار والحجاز ولا العراق ولا ما وراءهما من المشرق ولا بالشام ولا المغرب، إلا من شذ عن جماعتهم باتباع الظاهر ونفي القياس، وقد ترك من يعمل ذلك ما اجتمعنا عليه، وجماعة الفقهاء متفقون على أنه لا يحل الجمع بين الأختين بملك اليمين في الوطء كما لا يحل ذلك في النكاح. وقد أجمع المسلمون على أن معنى قوله: ﴿حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ … ﴾ إلى آخر الآية، أن النكاح وملك اليمين في هؤلاء كلهن سواء، فكذلك يجب أن يكون نظرًا وقياسًا الجمع بين الأختين وأمهات النساء والربائب. وكذلك هو عند جمهورهم، وهم الحجة المحجوج بها من خالفها وشذَّ عنها (٥).

وقوله تعالى: ﴿وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ﴾ أي: وحرم عليكم من الأجنبيات


(١) الاستذكار ١٦/ ٢٥٢.
(٢) الزيادة من (ح) و (حم) و (مح).
(٣) الزيادة من (ح) و (حم) و (مح).
(٤) سنده حسن.
(٥) الاستذكار (١٦/ ٢٥٠ - ٢٥١).