للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقوله تعالى: ﴿كِتَابَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ﴾ أي: هذا التحريم كتاب كتبه الله عليكم، فالزموا كتابه، ولا تخرجوا عن حدوده، والزموا شرعه وما فرضه. وقال عبيدة وعطاء والسدي في قوله: ﴿كِتَابَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ﴾: [يعني: الأربع (١). وقال إبراهيم: ﴿كِتَابَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ﴾] (٢) يعني: ما حرم عليكم (٣).

وقوله تعالى: ﴿وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ﴾ أي: ما عدا من ذكرن من المحارم، هن لكم حلال، قاله عطاء (٤) وغيره: وقال عبيدة والسدي: ﴿وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ﴾ ما دون الأربع (٥)، وهذا بعيد، والصحيح قول عطاء كما تقدم. وقال قتادة: ﴿وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ﴾ يعني: ما ملكت أيمانكم (٦). وهذه الآية هي التي احتج بها من احتج على تحليل الجمع بين الأختين، وقول من قال: أحلتهما آية وحرمتهما آية.

وقوله تعالى: ﴿أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُمْ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ﴾ أي: تحصلوا بأموالكم من الزوجات إلى أربع، أو السراري ما شئتم بالطريق الشرعي، ولهذا قال: ﴿مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ﴾.

وقوله تعالى: ﴿فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً﴾ أي: كما تستمتعون بهن فآتوهن مهورهن في مقابلة ذلك، كما قال تعالى: ﴿وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ﴾ [النساء: ٢١] وكقوله تعالى: ﴿وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً﴾ [النساء: ٤] وكقوله: ﴿وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا﴾ [البقرة: ٢٢٩] وقد استدل بعموم هذه الآية على نكاح المتعة، ولا شك أنه كان مشروعًا في ابتداء الإسلام، ثم نسخ بعد ذلك، وقد ذهب الشافعي وطائفة من العلماء إلى أنه أبيح ثم نسخ. ثم أبيح ثم نسخ مرتين، وقال آخرون أكثر من ذلك. وقال آخرون: إنما أبيح مرة ثم نسخ مرة، ولم يبح بعد ذلك. وقد روي عن ابن عباس وطائفة من الصحابة القول بإباحتها للضرورة، وهو رواية عن الإمام أحمد، وكان ابن عباس وأُبي بن كعب وسعيد بن جبير والسدي يقرؤون (فما استمتعتم به منهن إلى أجل مسمى فآتوهن أجورهن فريضة) (٧)، وقال مجاهد: نزلت في نكاح المتعة، ولكن الجمهور على خلاف ذلك. والعمدة ما ثبت في الصحيحين عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب قال: نهى رسول الله عن نكاح المتعة، وعن لحوم الحمر الأهلية يوم خيبر (٨). ولهذا الحديث ألفاظ مقررة هي في كتاب الأحكام. وفي


(١) قول عبيدة أخرجه ابن أبي حاتم بسند صحيح من طريق ابن سيرين عنه، وقول عطاء أخرجه الطبري بسند فيه سنيد: وهو ضعيف، وقول السدي أخرجه الطبري بسند حسن من طريق أسباط عنه.
(٢) ما بين معقوفين سقط، واستدرك من (ح) و (حم) و (مح).
(٣) أخرجه ابن أبي حاتم بسند صحيح من طريق منصور عن إبراهيم النخعي.
(٤) أخرجه الطبري بسند فيه سنيد.
(٥) قول السدي أخرجه الطبري بسند حسن من طريق أسباط عنه، وقول عَبيدة أخرجه الطبري بسند فيه سفيان بن وكيع: ضعيف.
(٦) أخرجه الطبري بسند صحيح من طريق سعيد بن أبي عروبة عنه.
(٧) هذه القراءة شاذة تفسيرية ذكرها الطبري عن أُبي وابن عباس بحذف السند، ورواها عن سعيد بن جبير من طريق عمرو بن مرة عنه.
(٨) صحيح البخاري، المغازي، باب غزوة خيبر (ح ٤٢١٦)، وصحيح مسلم، النكاح، باب نكاح المتعة وبيان أنه أبيح ثم نسخ … (ح ٣٠/ ١٤٠٦).