صحيح مسلم عن الربيع بن سبرة بن معبد الجهني، عن أبيه، أنه غزا مع رسول الله ﷺ يوم فتح مكة، فقال: "يا أيها الناس إني كنت أذنت لكم في الاستمتاع من النساء، وإن الله قد حرم ذلك إلى يوم القيامة، فمن كان عنده منهن شيء فليخل سبيله، ولا تأخذوا مما آتيتموهن شيئًا" (١)، وفي رواية لمسلم: في حجة الوداع، وله ألفاظ موضعها كتاب الأحكام.
وقوله تعالى: ﴿وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا تَرَاضَيْتُمْ بِهِ مِنْ بَعْدِ الْفَرِيضَةِ﴾ من حمل هذه الآية على نكاح المتعة إلى أجل مسمى، قال: فلا جناح عليكم إذا انقضى الأجل أن تراضوا على زيادة به، وزيادة للجعل، قال السدي: إن شاء أرضاها من بعد الفريضة الأولى، يعني: الأجر الذي أعطاها على تمتعه بها قبل انقضاء الأجل بينهما، فقال: أتمتع منك أيضًا بكذا وكذا، فإن زاد قبل أن يستبرئ رحمها يوم تنقضي المدة، وهو قوله تعالى: ﴿وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا تَرَاضَيْتُمْ بِهِ مِنْ بَعْدِ الْفَرِيضَةِ﴾ (٢). قال السدي: إذا انقضت المدة فليس له عليها سبيل، وهي منه بريئة وعليها أن تستبرئ ما في رحمها، وليس بينهما ميراث، فلا يرث واحد منهما صاحبه، ومن قال بالقول الأول جعل معناه كقوله تعالى: ﴿وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا (٤)﴾ [النساء] أي: إذا فرضت لها صداقًا فأبرأتك منه أو عن شيء منه، فلا جناح عليك ولا عليها في ذلك.
وقال ابن جرير: حدثنا محمد بن عبد الأعلى، حدثنا المعتمر بن سليمان، عن أبيه، قال: زعم الحضرمي أن رجالًا كانوا يفرضون المهر، ثم عسى أن يدرك أحدهم العسرة، فقال: ولا جناح عليكم أيها الناس فيما تراضيتم به من بعد الفريضة (٣).
يعني: إن وضعت لك منه شيئًا فهو لك سائغ. واختار هذا القول ابن جرير.
وقال علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس: ﴿وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا تَرَاضَيْتُمْ بِهِ مِنْ بَعْدِ الْفَرِيضَةِ﴾ والتراضي أن يوفيها صداقها ثم يخيرها (٤)، يعني: في المقام أو الفراق. وقوله تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا﴾ مناسب ذكر هذين الوصفين بعد شرع هذه المحرمات.
﴿وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلًا أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَمِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِكُمْ بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ مُحْصَنَاتٍ غَيْرَ مُسَافِحَاتٍ وَلَا مُتَّخِذَاتِ أَخْدَانٍ فَإِذَا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ مِنْكُمْ وَأَنْ تَصْبِرُوا خَيْرٌ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٢٥)﴾.
يقول تعالى: ﴿وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلًا﴾ أي: سعة وقدرة ﴿أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ﴾ أي: الحرائر العفائف المؤمنات. وقال ابن وهب: أخبرني عبد الجبار عن ربيعة ﴿وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ
(١) صحيح مسلم، الباب السابق (ح ٢١/ ١٤٠٦).
(٢) أخرجه الطبري بسند حسن من طريق أسباط عن السدي، وما ذكره منسوخ ولا يؤخذ من السدي ما يؤيد بدعته.
(٣) أخرجه الطبري بسنده ومتنه، وسنده حسن.
(٤) أخرجه الطبري وابن أبي حاتم بالإسناد الثابت عن علي بن أبي طلحة به.