للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقوله تعالى: ﴿فَإِذَا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ﴾ اختلف القراءة في أحصن، فقرأه بعضهم بضم الهمزة وكسر الصاد مبني لما لم يسم فاعله، وقرئ بفتح الهمزة والصاد فعل لازم (١)، ثم قيل: معنى القراءتين واحد، واختلفوا فيه على قولين:

(أحدهما): أن المراد بالإحصان ههنا الإسلام، وروي ذلك عن عبد الله بن مسعود وابن عمر وأنس والأسود بن يزيد وزر بن حبيش وسعيد بن جبير وعطاء وإبراهيم النخعي والشعبي والسدي (٢)، وروى نحوه الزهري عن عمر بن الخطاب وهو منقطع، وهذا هو القول الذي نص عليه الشافعي في رواية الربيع، قال: وإنما قلنا ذلك، استدلالًا بالسنة، وإجماع أكثر أهل العلم. وقد روى ابن أبي حاتم في ذلك حديثًا مرفوعًا، قال: حدثنا علي بن الحسين بن الجنيد، حدثنا أحمد بن عبد الرحمن بن عبد الله، حدثنا أبي، عن أبيه، عن أبي حمزة، عن جابر، عن رجل، عن أبي عبد الرحمن، عن علي بن أبي طالب، قال: قال رسول الله : ﴿فَإِذَا أُحْصِنَّ﴾ قال: "إحصانها إسلامها وعفافها" وقال: المراد به هاهنا التزويج. قال: وقال علي: اجلدوهن، ثم قال ابن أبي حاتم: وهو حديث منكر (٣). (قلت): وفي إسناده ضعف، وفيه من لم يسم، ومثله لا تقوم به حجة. وقال القاسم وسالم: إحصانها إسلامها وعفافها (٤).

وقيل: المراد به ههنا التزويج، وهو قول ابن عباس ومجاهد وعكرمة وطاوس وسعيد بن جبير والحسن وقتادة وغيرهم (٥). ونقله أبو علي الطبري في كتابه [الإفصاح] (٦) عن الشافعي، فيما رواه أبو الحكم بن عبد الحكم عنه. وقد روى ليث بن أبي سليم عن مجاهد أنه قال: إحصان الأمة أن ينكحها الحر، وإحصان العبد أن ينكح الحرة (٧)، وكذا روى ابن أبي طلحة عن ابن عباس (٨)، رواهما ابن جرير في تفسيره. وذكره ابن أبي حاتم عن الشعبي والنخعي (٩).

وقيل: بل معنى القراءتين متباين. فمن قرأ: (أحصن) بضم الهمزة فمراده التزويج، ومن قرأ بفتحها فمراده الإسلام. اختاره أبو جعفر بن جرير في تفسيره وقرره ونصره، والأظهر - والله أعلم - أن المراد بالإحصان ههنا التزويج، لأن سياق الآية يدل عليه حيث يقول : ﴿وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلًا أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَمِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِكُمْ بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ مُحْصَنَاتٍ غَيْرَ مُسَافِحَاتٍ وَلَا مُتَّخِذَاتِ أَخْدَانٍ فَإِذَا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ


(١) كلاهما قراءتان متواترتان.
(٢) ذكرهم ابن أبي حاتم كلهم بحذف السند.
(٣) أخرجه ابن أبي حاتم بسنده ومتنه وحكمه، وفيه أيضًا رجل مبهم.
(٤) أخرجه الطبري عن سفيان بن وكيع بسنده إليهما، وسفيان ضعيف.
(٥) قول ابن عباس أخرجه ابن أبي حاتم بسند حسن من طريق سعيد بن جبير عنه، وبقية التابعين ذكرهم ابن أبي حاتم بحذف السند.
(٦) كذا في (ح) و (حم) و (مح)، وفي الأصل: "الإيضاح" وهو تصحيف.
(٧) أخرجه الطبري من طريق عبد الله بن إدريس عن ليث به، ورجاله ثقات إلا ليث بن أبي سليم وقد توبع كما في الرواية التالية فسنده حسن.
(٨) أخرجه الطبري وابن أبي حاتم بسند ثابت عنه.
(٩) ذكرهما ابن أبي حاتم بحذف السند.