للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فوجب الجمع بين الآية والحديث بذلك، - والله أعلم - وأصرح من ذلك ما رواه سعيد بن منصور، عن سفيان، عن مسعر، عن عمرو بن مرة، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، قال: قال رسول الله : "ليس على أمة حد حتى تحصن - أو حتى تزوج - فإذا أحصنت بزوج فعليها نصف ما على المحصنات" (١) وقد رواه ابن خزيمة عن عبد الله بن عمران العابدي، عن سفيان به مرفوعًا، وقال: رفعه خطأ إنما هو من قول ابن عباس. وكذا رواه البيهقي من حديث عبد الله بن عمران وقال مثل ما قاله ابن خزيمة. قالوا: وحديث علي وعمر قضايا أعيان، وحديث أبي هريرة عنه أجوبة:

(أحدها): أن ذلك محمول على الأمة المزوجة جمعًا بينه وبين هذا الحديث.

(الثاني): أن لفظة الحد في قوله: "فليجلدها الحد" مقحمة من بعض الرواة بدليل.

(الجواب الثالث): وهو أن هذا من حديث صحابيين وذلك من رواية أبي هريرة فقط، وما كان عن اثنين فهو أولى بالتقديم من رواية واحد، وأيضًا فقد رواه النسائي بإسناد على شرط مسلم من حديث عباد بن تميم، عن عمه - وكان قد شهد بدرًا - أن رسول الله قال: "إذا زنت الأمة فاجلدوها، ثم إذا زنت فاجلدوها، ثم إذا زنت فاجلدوها، ثم إذا زنت فبيعوها ولو بضفير" (٢).

(الرابع): أنه لا يبعد أن بعض الرواة أطلق [لفظة] (٣) الحد في الحديث على الجلد، لأنه لما كان الجلد اعتقد أنه حد، أو أنه أطلق لفظة الحد على التأديب، كما أطلق الحد على ضرب [من زنى من المرضى بعثكال نخل فيه مائة شمراخ، وعلى جلد] (٤) من زنى بأمة امرأته إذا أذنت له فيها مائة، وإنما ذلك تعزير وتأديب عند من يراه كأحمد وغيره من السلف. وإنما الحد الحقيقي هو جلد البكر مائة. ورجم الثيب أو اللائط، والله أعلم.

وقد روى ابن جرير في تفسيره: حدثنا ابن المثنى، حدثنا محمد بن جعفر، حدثنا شعبة، عن عمرو بن مرة أنه سمع سعيد بن جبير يقول: لا تضرب الأمة إذا زنت ما لم تتزوج (٥)، وهذا إسناد صحيح عنه، ومذهب غريب إن أراد أنها لا تضرب الأمة أصلًا لا حدًا، وكأنه أخذ بمفهوم الآية ولم يبلغه الحديث، وإن أراد أنها لا تضرب حدًا، ولا ينفي ضربها تأديبًا فهو كقول ابن عباس ومن تبعه في ذلك، والله أعلم.

(الجواب الثالث): أن الآية دلّت على أن الأمة المحصنة تحد نصف حد الحرة، فأما قبل الإحصان فعمومات الكتاب والسنة شاملة لها في جلدها مائة، كقوله تعالى: ﴿الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ﴾ [النور: ٢]، وكحديث عبادة بن الصامت: "خذوا عني، خذوا عني، قد جعل الله لهن سبيلًا البكر بالبكر جلد مائة وتغريب عام، والثيب بالثيب جلد مائة ورجمها بالحجارة" (٦)، والحديث في صحيح مسلم وغير ذلك من الأحاديث. وهذا القول هو المشهور


(١) أخرجه سعيد بن منصور بسنده ومتنه (السنن ح ٦١٦)، والصحيح وقفه على ابن عباس، وأخرجه البيهقي من طريقه به وقال: رفعه خطأ والوقف أصح (السنن الكبرى ٨/ ٢٤٣)، وكذا قال ابن خزيمة كما سيأتي في روايته.
(٢) السنن الكبرى، الرجم، باب حد الزاني البكر (ح ٧٢٣٨).
(٣) زيادة من (ح) و (حم) و (مح).
(٤) زيادة من (ح) و (حم) و (مح).
(٥) أخرجه الطبري بسنده ومتنه، وسنده صحيح كما قال الحافظ ابن كثير.
(٦) صحيح مسلم، الحدود، باب حد الزنى (ح ١٦٩٠).