للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

عن داود بن علي الظاهري وهو في غاية الضعف، لأن الله تعالى إذا كان أمر بجلد المحصنة من الإماء بنصف ما على الحرة من العذاب، وهو خمسون جلدة، فكيف يكون حكمها قبل الإحصان أشد منه بعد الإحصان وقاعدة الشريعة في ذلك عكس ما قال؟ وهذا الشارع سأله أصحابه عن الأمة إذا زنت ولم تحصن، فقال: "اجلدوها"، ولم يقل: مائة، فلو كان حكمها كما زعم داود لوجب بيان ذلك لهم، لأنهم إنما سألوا عن ذلك لعدم بيان حكم جلد المائة بعد الإحصان في الإماء بعد نزول بيان حكم جلد الأمة وإلا فما الفائدة في قولهم: ولم تحصن لعدم الفرق بينهما لو لم تكن الآية نزلت، لكن لما علموا حكم أحد الحكمين سألوا عن حكم الآخر فبينه لهم، كما في الصحيحين أنهم لما سألوه عن الصلاة عليه فذكرها لهم، ثم قال: "والسلام ما قد علمتم"، وفي لفظ: لما أنزل الله قوله: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾ [الأحزاب: ٥٦] قالوا: هذا السلام عليك قد عرفناه، فكيف الصلاة عليك؟ .. وذكر الحديث (١). وهكذا هذا (٢) السؤال.

(الجواب الرابع): عن مفهوم الآية جواب أبي ثور فإن مذهبه ما هو أغرب من قول داود من وجوه، وذلك أنه يقول: فإذا أحصن فإن عليهن نصف ما على المحصنات، أي: المزوجات وهو الرجم، وهو لا ينصف فيجب أن ترجم الأمة المحصنة إذا زنت، وأما قبل الإحصان فيجب جلدها خمسين، فأخطأ في فهم الآية وخالف الجمهور في الحكم، بل قد قال أبو عبد الله الشافعي : ولم يختلف المسلمون في أن لا رجم على مملوك في الزنا، وذلك لأن الآية دلّت على أن عليهن نصف ما على المحصنات من العذاب، والألف واللام في المحصنات للعهد، وهن المحصنات المذكورات في أول الآية: ﴿وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلًا أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ﴾ والمراد بهن الحرائر فقط من غير تعرض لتزويج غيره، وقوله: ﴿نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ﴾ يدل على أن المراد من العذاب الذي يمكن تنصيفه وهو الجلد لا الرجم، والله أعلم. وقد روى أحمد نصًا في رد مذهب أبي ثور من رواية الحسن بن سعد عن أبيه: أن صفيّة كانت قد زنت برجل من الخمس، فولدت غلامًا، فادعاه الزاني، فاختصما إلى عثمان بن عفان فرفعهما إلى علي بن أبي طالب، فقال علي: أقضي فيهما بقضاء رسول الله : "الولد للفراش، وللعاهر الحجر"، وجلدهما خمسين خمسين (٣)، وقيل: بل المراد من المفهوم التنبيه بالأعلى على الأدنى؛ أي: إن الإماء على النصف من الحرائر في الحد وإن كن محصنات وليس عليهن رجم أصلًا لا قبل النكاح ولا بعده، وإنما عليهن الجلد في الحالتين بالسنة، قال ذلك صاحب الإفصاح (٤)، وذكر هذا عن الشافعي فيما رواه ابن عبد الحكم عنه، وقد ذكره البيهقي في كتاب السنن والآثار (٥)، وهو بعيد من لفظ الآية، لأنا إنما استفدنا تنصيف الحد من الآية لا من سواها فكيف يفهم منها التنصيف


(١) صحيح مسلم، الصلاة، باب، الصلاة على النبي بعد التشهد (ح ٤٠٥).
(٢) كذا في (ح) و (حم) و (مح)، وفي الأصل: "هو".
(٣) أخرجه الإمام أحمد من طريق الحجاج بن أرطأة عن الحسن بن سعد عن أبيه أن يُحنَّس وصفية كانا من سبي الخمس، فزنت صفية برجل … (المسند ٢/ ١٩١ ح ٨٢٠)، وضعفه محققوه.
(٤) كذا في (ح) و (حم) و (مح)، وفي الأصل: "الإيضاح". وهو تصحيف.
(٥) معرفة السنن والآثار ٦/ ٣٦٥.