للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فيما عداها وقال: بل أريد بأنها في حال الإحصان لا يقيم الحد عليها إلا الإمام ولا يجوز لسيدها إقامة الحد عليها والحالة هذه وهو قول في مذهب أحمد ، فأما قبل الإحصان فله ذلك، والحد في كلا الموضعين نصف حد الحرة، وهذا أيضًا بعيد لأنه ليس في لفظ الآية ما يدل عليه، ولولا هذه لم ندر ما حكم الإماء في التنصيف، ولوجب دخولهن في عموم الآية في تكميل الحد مائة، أو رجمهن كما ثبت في الدليل عليه، وقد تقدم عن علي أنه قال: أيها الناس أقيموا الحد على أرقائكم من أحصن منهم ومن لم يحصن، وعموم الأحاديث المتقدمة ليس فيها تفصيل بين المزوجة وغيرها لحديث أبي هريرة الذي احتج به الجمهور: "إذا زنت أمة أحدكم، فتبين زناها، فليجلدها الحد، ولا يثرب عليها" (١)، فتلخص في الأمة: أنها إذا زنت أقوال:

أحدها: تجلد خمسين قبل الإحصان وبعده. وهل تنفى؟ فيه ثلاثة أقوال:

أحدها: إنها تنفى (٢) عنه.

والثاني: لا تنفى عنه مطلقًا.

والثالث: أنها تنفى نصف سنة وهو نصف نفي الحرة، وهذا الخلاف في مذهب الشافعي، وأما أبو حنيفة فعنده أن النفي تعزير ليس من تمام الحد، وإنما هو رأي الإمام إن شاء فعله وإن شاء تركه في حق الرجال والنساء، وعند مالك أن النفي إنما هو على الرجال وأما النساء فلا، لأن ذلك مضاد لصيانتهن وما ورد شيء من النفي في الرجال ولا النساء. نعم حديث عبادة وحديث أبي هريرة أن رسول الله ، قضى فيمن زنى ولم يحصن بنفي عام وبإقامة الحد عليه (٣)، رواه البخاري وذلك مخصوص بالمعنى وهو أن المقصود من النفي الصون، وذلك مفقود في نفي النساء، والله أعلم.

والثاني: أن الأمة إذا زنت تجلد خمسين بعد الإحصان وتضرب تأديبًا غير محدود بعدد محصور، وقد تقدم ما رواه ابن جرير عن سعيد بن جبير أنها لا تضرب قبل الإحصان، وإن أراد نفيه فيكون مذهبًا بالتأويل وإلا فهو كالقول الثاني.

القول الآخر: أنها تجلد قبل الإحصان مائة، وبعده خمسين، كما هو المشهور عن داود.

وهو أضعف الأقوال: أنها تجلد قبل الإحصان خمسين، وترجم بعده، وهو قول أبي ثور وهو ضعيف أيضًا، والله أعلم بالصواب (٤).

وقوله تعالى: ﴿ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ مِنْكُمْ﴾ أي: إنما يباح نكاح الإماء بالشروط المتقدمة لمن خاف على نفسه الوقوع في الزنا، وشق عليه الصبر عن الجماع، وعنت بسبب ذلك كله، فله حينئذٍ أن يتزوج بالأمة، وإن ترك تزوجها وجاهد نفسه في الكف عن الزنا فهو خير له لأنه إذا تزوجها جاء أولاده أرقاء لسيدها إلا أن يكون الزوج عربيًّا، فلا تكون أولاده منها أرقاء في قول قديم للشافعي، ولهذا قال: ﴿وَأَنْ تَصْبِرُوا خَيْرٌ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾، ومن هذه الآية الكريمة


(١) تقدم تخريجه في بداية تفسير هذه الآية.
(٢) في الأصل: "لا تنفى" ولفظ لا مقحم.
(٣) صحيح البخاري، الحدود، باب البكران يجلدان وينفيان (ح ٦٨٣٣).
(٤) بعد هذا النص ورد في الأصل نص بورقه كاملة مقحم من سورة المائدة، وسيذكر هناك إن شاء الله تعالى.