للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

استدل جمهور العلماء في جواز نكاح الإماء على أنه لا بدّ من عدم الطول لنكاح الحرائر ومن خوف العنت لما في نكاحهن من مفسدة رق الأولاد، ولما فيهن من الزنا (١) في العدول عن الحرائر إليهن، وخالف الجمهور أبو حنيفة وأصحابه في اشتراط الأمرين، فقالوا: متى لم يكن الرجل مزوجًا بحرة، جاز له نكاح الأمة المؤمنة والكتابية أيضًا سواء كان واجدًا الطول حرة أُم لا، وسواء خاف العنت أم لا، وعمدتهم فيما ذهبوا إليه عموم قوله تعالى: ﴿وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ﴾ [المائدة: ٥] أي: العفائف وهو يعم الحرائر والإماء، وهذه الآية عامة وهذه أيضًا ظاهرة في الدلالة على ما قاله الجمهور.

﴿يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (٢٦) وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا (٢٧) يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفًا (٢٨)﴾.

يخبر تعالى أنه يريد أن يبين لكم أيها المؤمنون ما أحل لكم وحرم عليكم مما تقدم ذكره في هذه السورة وغيرها، ﴿وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ﴾ يعني: طرائقهم الحميدة واتباع شرائعه التي يحبها ويرضاها، ﴿وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ﴾ أي: من الإثم والمحارم، ﴿وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ﴾ أي: في شرعه وقدره وأفعاله وأقواله.

وقوله: ﴿وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا﴾ أي: يريد أتباع الشياطين من اليهود والنصارى والزناة أن تميلوا عن الحق إلى الباطل ميلًا عظيمًا

﴿يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ﴾ أي: في شرائعه وأوامره ونواهيه وما يقدره لكم، ولهذا أباح الإماء بشروط، كما قال مجاهد وغيره ﴿وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفًا﴾ فناسبه التخفيف لضعفه في نفسه وضعف عزمه وهمته.

وقال ابن أبي حاتم: حدثنا محمد بن إسماعيل الأحمسي، حدثنا وكيع، عن سفيان، عن ابن طاوس، عن أبيه ﴿وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفًا﴾ أي: في أمر النساء (٢). وقال وكيع: يذهب عقله عندهن. وقال موسى الكليم لنبينا محمد ، [ليلة الإسراء] (٣) حين مر عليه راجعًا من عند سدرة المنتهى، فقال له: "ماذا فرض عليكم، فقال: أمرني بخمسين صلاة في كل يوم وليلة، فقال له: ارجع إلى ربك فاسأله التخفيف، فإن أمتك لا تطيق ذلك، [فإني قد بلوت] (٤) الناس قبلك على ما هو أقل من ذلك فعجزوا، وإن أمتك أضعف أسماعًا وأبصارًا وقلوبًا، فرجع، فوضع عشرًا. ثم رجع إلى موسى فلم يزل كذلك حتى بقيت خمسًا … " الحديث (٥).


(١) كذا في الأصل و (ح) و (حم)، وفي (مح) بلفظ: "الدناءة".
(٢) أخرجه ابن أبي حاتم بسنده ومتنه، وسنده صحيح.
(٣) زيادة من (ح) و (حم) و (مح).
(٤) كذا في (ح) و (حم) و (مح)، وفي الأصل: "فإنه قد تكون"، وهو تصحيف.
(٥) سيأتي تخريجه في الصحيحين عند بداية سورة الإسراء مفصلًا.