للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا (٢٩) وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ عُدْوَانًا وَظُلْمًا فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَارًا وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا (٣٠) إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلًا كَرِيمًا (٣١)﴾.

ينهى عباده المؤمنين عن أن يأكلوا أموال بعضهم بعضًا بالباطل؛ أي: بأنواع المكاسب التي هي غير شرعية كأنواع الربا والقمار، وما جرى مجرى ذلك من سائر صنوف الحيل، وإن ظهرت في [غالب الحكم الشرعي] (١) مما يعلم الله أن متعاطيها إنما يريد الحيلة على الربا، حتى قال ابن جرير: حدثني ابن المثنى، حدثنا عبد الوهاب، حدثنا داود، عن عكرمة، عن ابن عباس في الرجل يشتري من الرجل الثوب فيقول: إن رضيته أخذته، وإلا رددته ورددت معه درهمًا، قال: هو الذي قال الله ﷿ فيه: ﴿لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ﴾ (٢).

وقال ابن أبي حاتم: حدثنا علي بن حرب الموصلي، حدثنا ابن فضيل، عن داود الأودي، عن عامر، عن علقمة، عن عبد الله في الآية، قال: إنها محكمة ما نسخت ولا تنسخ إلى يوم القيامة (٣).

وقال علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس: لما أنزل الله: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ﴾ قال المسلمون: إن الله قد نهانا أن نأكل أموالنا بيننا بالباطل، والطعام هو أفضل أموالنا، فلا يحل لأحد منا أن يأكل عند أحد، فكيف للناس؟ فأنزل الله بعد ذلك ﴿لَيْسَ عَلَى الْأَعْمَى حَرَجٌ … ﴾ الآية [النور: ٦١] (٤). وكذا قال قتادة (٥).

وقوله تعالى: ﴿إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ﴾ قرئ (تجارة) بالرفع وبالنصب (٦)، وهو استثناء منقطع، كأنه يقول: لا تتعاطوا الأسباب المحرمة في اكتساب الأموال، ولكن المتاجر المشروعة التي تكون عن تراض من البائع والمشتري فافعلوها وتسببوا بها في تحصيل الأموال، كما قال تعالى: ﴿وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ﴾ [الأنعام: ١٥١]، وكقوله: ﴿لَا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إِلَّا الْمَوْتَةَ الْأُولَى﴾ [الدخان: ٥٦]. ومن هذه الآية الكريمة احتج الشافعي على أنه لا يصح البيع إلا بالقول، لأنه يدل على التراضي نصًا بخلاف المعاطاة، فإنها قد لا تدل على الرضى ولا بدّ، وخالف الجمهور في ذلك مالك وأبو حنيفة وأحمد وأصحابهم، فرأوا أن الأقوال كما تدل على التراضي فكذلك الأفعال تدل في بعض المحال


(١) كذا في (ح) و (حم) و (مح)، وفي الأصل: "غالب الشرع".
(٢) أخرجه الطبري بسنده ومتنه، وأخرجه ابن أبي حاتم من طريق حماد عن داود بن أبي هند به، وسنده حسن.
(٣) أخرجه ابن أبي حاتم بسنده ومتنه، وسنده حسن، وأخرجه الطبراني وصححه السيوطي (الدر ٢/ ١٤٣)، وقال الهيثمي: رجاله ثقات (المجمع ٧/ ٣).
(٤) أخرجه ابن حاتم بسند ثابت من طريق علي بن أبي طلحة به.
(٥) أخرجه ابن حاتم بسند ضعيف فيه محمد بن أبي حماد: مقبول ويشهد له سابقه.
(٦) كلاهما قراءتان متواترتان.