للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قطعًا، فصححوا بيع المعاطاة مطلقًا، ومنهم من قال: يصح في المحقرات وفيما يعده الناس بيعًا وهو احتياط نظر من محققي المذهب، والله أعلم.

وقال مجاهد: ﴿إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ﴾ بيعًا أو عطاء يعطيه أحد أحدًا، ورواه ابن جرير (١)، ثم قال: وحدثنا ابن وكيع، حدثنا أبي، عن القاسم، عن سليمان الجعفي، عن أبيه، عن ميمون بن مهران، قال: قال رسول الله : "البيع عن تراض والخيار بعد الصفقة، ولا يحل لمسلم أن يغش مسلمًا" (٢). هذا حديث مرسل. ومن تمام التراضي إثبات خيار المجلس، كما ثبت في الصحيحين أن رسول الله قال: "البيعان بالخيار ما لم يتفرقا" (٣)، وفي لفظ البخاري: "إذا تبايع الرجلان فكل واحد منهما بالخيار ما لم يتفرقا"، وذهب إلى القول بمقتضى هذا الحديث أحمد والشافعي وأصحابهما وجمهور السلف والخلف، ومن ذلك مشروعية خيار الشرط بعد العقد إلى ثلاثة أيام بحسب ما يتبين فيه حال البيع ولو إلى سنة في القرية ونحوها، كما هو المشهور عن مالك ، وصححوا بيع المعاطاة مطلقًا وهو قول في مذهب الشافعي، ومنهم من قال: يصح بيع المعاطاة في المحقرات فيما يعده الناس بيعًا، وهو اختيار طائفة من متأخري الأصحاب. والله أعلم. كما هو متفق عليه.

وقوله: ﴿وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ﴾ أي: بارتكاب محارم الله، وتعاطي معاصيه، وأكل أموالكم بينكم بالباطل ﴿إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا﴾ أي: فيما أمركم به ونهاكم عنه. وقال الإمام أحمد: حدثنا حسن بن موسى، حدثنا ابن لهيعة، حدثنا يزيد بن أبي حبيب، عن عمران بن أبي أنس، عن عبد الرحمن بن جبير، عن عمرو بن العاص أنه قال لما بعثه النبي ، عام ذات السلاسل، قال: احتلمت في ليلة باردة شديدة البرد، فأشفقت إن اغتسلت أن أهلك، فتيممت ثم صليت بأصحابي صلاة الصبح، قال: فلما قدمنا على رسول الله ، ذكرت ذلك له، فقال: "يا عمرو صليت بأصحابك وأنت جنب" قال: قلت: يا رسول الله، إني احتلمت في ليلة باردة شديدة البرد، فأشفقت إن اغتسلت أن أهلك، فذكرت قول الله ﷿: ﴿وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا﴾ فتيممت ثم صليت، فضحك رسول الله ولم يقل شيئًا (٤)، وهكذا رواه أبو داود من طريق يحيى بن أيوب عن يزيد بن أبي حبيب [به. ورواه أيضًا عن محمد بن أبي سلمة، عن ابن وهب، عن ابن لهيعة وعمرو بن الحارث، كلاهما عن يزيد بن أبي حبيب] (٥) عن عمران بن أبي أنس، عن عبد الرحمن بن جبير المصري، عن أبي قيس مولى عمرو بن العاص


(١) أخرجه الطبري بسند صحيح من طريق ابن أبي نجيح عن مجاهد.
(٢) أخرجه الطبري بسنده ومتنه، وسنده ضعيف لضعف سفيان بن وكيع وإرسال ميمون بن مهران.
(٣) صحيح البخاري، البيوع، باب كم يجوز الخيار (ح ٢١٠٧)، وصحيح مسلم، البيوع، باب ثبوت خيار المجلس للمتبايعين (ح ١٥٣١).
(٤) أخرجه الإمام أحمد بسنده ومتنه (المسند ٤/ ٢٠٣، ٢٠٤)، وفي سنده ابن لهيعة وقد توبع في رواية أبي داود فأخرجه من طريق ابن لهيعة وعمرو بن الحارث عن يزيد بن أبي حبيب به (السنن، الطهارة، باب إذا خاف الجنب البرد أيتيمم؟ ح ٣٣٥)، وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود (ح ٣٢٤)، وأخرجه الحاكم وصححه ووافقه الذهبي (المستدرك ١/ ١٧٧).
(٥) ما بين معقوفين سقط من الأصل واستدرك من (ح) و (حم) و (مح).