للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قال ابن عَبَّاس وغير واحد: ضربًا غير مبرح، قال الحسن البصري: يعني غير مؤثر (١). وقال الفقهاء: هو أن لا يكسر فيها عضوًا ولا يؤثر فيها شيئًا، وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: يهجرها في المضجع، فإن أقبلت وإلا فقد أذن الله لك أن تضربها ضربًا غير مبرح، ولا تكسر لها عظمًا، فإن أقبلت وإلا فقد أحل الله لك منها الفدية (٢).

وقال سفيان بن عيينة، عن الزهري، عن عبد الله بن عبد الله بن عمر، عن إياس بن عبد الله بن أبي ذُباب (٣) قال: قال النَّبِيّ : "لا تضربوا إماء الله" فجاء عمر إلى رسول الله فقال: "ذئر (٤) النساء على أزواجهن، فرخص رسول الله في ضربهن"، فأطاف بآل رسول الله نساء كثير يشكون أزواجهن، فقال رسول الله : "لقد أطاف بآل محمد نساء كثير يشكون أزواجهن ليس أولئك بخياركم" رواه أبو داود والنسائي وابن ماجه (٥).

وقال الإمام أحمد: حَدَّثَنَا سليمان بن داود - يعني: أبا داود الطيالسي -، حَدَّثَنَا أبو عوانة، عن داود الأودي، عن عبد الرحمن المُسلي، عن الأشعث بن قيس، قال: ضفت عمر ، فتناول امرأته فضربها، وقال: يا أشعث، احفظ عني ثلاثًا حفظتهن عن رسول الله : "لا تسأل الرجل فيم ضرب امرأته، ولا تنم إلا على وتر، ونسي الثالثة" (٦)، وكذا رواه أبو داود والنسائي وابن ماجه من حديث عبد الرحمن بن مهدي عن أبي عوانة، عن داود الأودي به (٧).

وقوله تعالى: ﴿فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا﴾ أي: إذا أطاعت المرأة زوجها في جميع ما يريده منها مما أباحه الله له منها، فلا سبيل له عليها بعد ذلك، وليس له ضربها ولا هجرانها. وقوله: ﴿إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا﴾ للرجال إذا بغوا على النساء من غير سبب، فإن الله العلي الكبير وليهن، وهو ينتقم ممن ظلمهن وبغى عليهن.

﴿وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرًا (٣٥)﴾.

ذكر الحال الأول وهو إذا كان النفور والنشوز من الزوجة. ثم ذكر الحال الثاني [وهو إذا كان النفور من الزوجين، فقال تعالى: ﴿وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا﴾] (٨) حَكَما مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمَا مِّنْ ﴿أَهْلِهَا﴾ وقال الفقهاء: إذا وقع الشقاق بين الزوجين، أسكنهما الحاكم إلى جنب ثقة ينظر في أمرهما يمنع الظالم منهما من الظلم، فإن تفاقم أمرهما وطالت خصومتهما، بعث الحاكم ثقة من


(١) أخرجه ابن أبي حاتم بسند صحيح من طريق حُميد عنه.
(٢) أخرجه الطبري بسند ثابت عنه.
(٣) كذا في (حم) و (مح)، وفي الأصل: "ذياب".
(٤) كذا في (حم)، وفي الأصل و (مح): "دير".
(٥) سنن أبي داود، النكاح، باب في ضرب النساء (ح ٢١٤٦)، والسنن الكبرى (ح ٩١٦٧)، وسنن ابن ماجه، النكاح، باب ضرب النساء (ح ١٩٨٥)، وصححه الحافظ ابن حجر (الإصابة ١/ ١٤٥)، والألباني في صحيح سنن أبي داود (ح ١٨٧٩).
(٦) أخرجه الإمام أحمد بسنده ومتنه (المسند ١/ ٢٧٥ ح ١٢٢) وضعفه محققوه بسبب جهالة عبد الرحمن المُسلي.
(٧) مسند الطيالسي (ح ٤٧)، وسنن أبي داود، النكاح، باب في ضرب النساء (ح ٢١٤٧)، وسنن النسائي الكبرى (ح ٩١٦٨)، وسنن ابن ماجه، النكاح، باب في ضرب النساء (ح ١٩٨٦) وحكمه كسابقه.
(٨) ما بين المعقوفين سقط من الأصل، واستدرك من (حم) و (مح).