للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بطلقتين أو ثلاث فعلا (١)، وهو رواية عن مالك، وقال الحسن البصري: الحكمان يحكمان في الجمع لا في التفرقة (٢). وكذا قال قتادة وزيد بن أسلم (٣)، وبه قال أحمد بن حنبل وأبو ثور وداود: ومأخذهم قوله تعالى: ﴿إِنْ يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا﴾ ولم يذكر التفريق، وأما إذا كانا وكيلين من جهة الزوجين فإنه ينفذ حكمهما في الجمع والتفرقة بلا خلاف.

وقد اختلف الأئمة في الحكمين، هل هما منصوبان من جهة الحاكم، فيحكمان وإن لم يرض الزوجان. أو هما وكيلان من جهة الزوجين؟ على قولين والجمهور على الأول، لقوله تعالى: ﴿فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا﴾ فسماهما حكمين ومن شأن الحكم أن يحكم بغير رضا المحكوم عليه، وهذا ظاهر الآية، والجديد من مذهب الشافعي وهو قول أبي حنيفة وأصحابه، الثاني منهما بقول علي للزوج حين قال: أما الفرقة فلا، قال: كذبت حتى تقر بما أقرت به. قالوا: فلو كانا حاكمين لما افتقر إلى إقرار الزوج، والله أعلم.

قال الشيخ أبو عمر بن عبد البر: وأجمع العلماء على أن الحكمين إذا اختلف قولهما فلا عبرة بقول الآخر، وأجمعوا على أن قولهما نافذ في الجمع وإن لم يوكلهما الزوجان، واختلفوا هل ينفذ قولهما في التفرقة؟ ثم حكي عن الجمهور أن ينفذ قولهما فيها أيضًا من غير توكيل (٤).

﴿وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالًا فَخُورًا (٣٦)﴾.

يأمر بعبادته وحده لا شريك له، فإنه هو الخالق الرازق المنعم المتفضل على خلقه في جميع الآنات والحالات، فهو المستحق منهم أن يوحدوه ولا يشركوا به شيئًا من مخلوقاته، كما قال النبي لمعاذ بن جبل: "أتدري ما حق اللّه على العباد؟ " قال: اللّه ورسوله أعلم، قال: "أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئًا"، ثم قال: "أتدري ما حق العباد على اللّه إذا فعلوا ذلك؟ أن لا يعذبهم" (٥) ثم أوصى بالإحسان إلى الوالدين، فإن اللّه سبحانه جعلهما سببًا لخروجك من العدم إلى الوجود وكثيرًا ما يقرن اللّه سبحانه بين عبادته والإحسان إلى الوالدين، كقوله: ﴿أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ﴾ [لقمان: ١٤]، وكقوله: ﴿وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا﴾ [الإسراء: ٢٣] ثم عطف على الإحسان إليهما الإحسان إلى القرابات من الرجال والنساء كما جاء في الحديث: "الصدقة على المسكين صدقة، وعلى ذي الرحم صدقة وصلة" (٦).


(١) أخرجه سعيد بن منصور بسند صحيح من طريق عبيدة عن إبراهيم (التفسير رقم ٦٣٢).
(٢) أخرجه عبد الرزاق بسند صحيح عن معمر عنه.
(٣) قول قتادة أخرجه الطبري بسند صحيح عنه، وقول ابن زيد أخرجه الطبري بسند صحيح عنه.
(٤) ذكره في الاستذكار ١٨/ ١١١.
(٥) أخرجه الشيخان من حديث معاذ بن جبل. صحيح البخاري، التوحيد، باب ما جاء في دعاء النبي أمته إلى توحيد الله (ح ٧٣٧٣)، وصحيح مسلم، الإيمان، باب الدليل على أن من مات على التوحيد دخل الجنة قطعًا (ح ٣٠).
(٦) أخرجه الإمام أحمد (المسند ٤/ ١٧)، والترمذي وحسنه في السنن، الزكاة، باب ما جاء في الصدقة على =