للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

الصوامع والديارات" (١).

ويحتمل أن يكون شرعيًا بمعنى أنه تعالى حرم عليهم في التوراة أشياء كانت حلالًا لهم قبل ذلك، كما قال تعالى: ﴿كُلُّ الطَّعَامِ كَانَ حِلًّا لِبَنِي إِسْرَائِيلَ إِلَّا مَا حَرَّمَ إِسْرَائِيلُ عَلَى نَفْسِهِ مِنْ قَبْلِ أَنْ تُنَزَّلَ التَّوْرَاةُ﴾ [آل عمران: ٩٣] وقد قدمنا الكلام على الآية، وأن المراد أن الجميع من الأطعمة كانت حلالًا لهم من قبل أن تنزل التوراة ما عدا ما كان حرم إسرائيل على نفسه من لحوم الإبل وألبانها، ثم إنه تعالى حرم أشياء كثيرة في التوراة كما قال في سورة الأنعام: ﴿وَعَلَى الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ وَمِنَ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُمَا إِلَّا مَا حَمَلَتْ ظُهُورُهُمَا أَوِ الْحَوَايَا أَوْ مَا اخْتَلَطَ بِعَظْمٍ ذَلِكَ جَزَيْنَاهُمْ بِبَغْيِهِمْ وَإِنَّا لَصَادِقُونَ (١٤٦)[الأنعام: ١٤٦] أي: إنما حرمنا عليهم ذلك، لأنهم يستحقون ذلك بسبب بغيهم وطغيانهم ومخالفتهم رسولهم واختلافهم عليه، ولهذا قال: ﴿فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ وَبِصَدِّهِمْ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ كَثِيرًا (١٦٠)﴾ أي: صدوا الناس وصدوا أنفسهم عن اتباع الحق وهذه سجية لهم متصفون بها من قديم الدهر وحديثه، ولهذا كانوا أعداء الرسل وقتلوا خلقًا من الأنبياء، وكذبوا عيسى ومحمدًا صلوات الله وسلامه عليهما.

وقوله: ﴿وَأَخْذِهِمُ الرِّبَا وَقَدْ نُهُوا عَنْهُ﴾ أي: أن الله قد نهاهم عن الربا فتناولوه وأخذوه واحتالوا عليه بأنواع من الحيل وصنوف من الشبه، وأكلوا أموال الناس بالباطل، قال تعالى: ﴿وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ مِنْهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا﴾،

ثم قال تعالى: ﴿لَكِنِ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ مِنْهُمْ﴾ أي: الثابتون في الدين لهم قدم راسخة في العلم النافع. وقد تقدم الكلام على ذلك في سورة آل عمران (٢) ﴿وَالْمُؤْمِنُونَ﴾ عطفٌ على الراسخين وخبره ﴿يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ﴾ قال ابن عَبَّاس: أنزلت في عبد الله بن سلام وثعلبة بن سعية (٣) [وزيد بن سعية] (٤) وأسد بن عبيد، الذين دخلوا في الإسلام، وصدقوا بما أرسل الله به محمدًا (٥).

وقوله: ﴿وَالْمُقِيمِينَ الصَّلَاةَ﴾ هكذا هو في جميع مصاحف الأئمة، وكذا هو في مصحف أبي بن كعب، وذكر ابن جرير أنها في مصحف ابن مسعود: (والمقيمون الصلاة)، قال: والصحيح قراءة الجميع ثم ردّ على من زعم أن ذلك من غلط الكتاب (٦)، ثم ذكر اختلاف الناس فقال بعضهم: هو مضصوب على المدح، كما جاء في قوله: ﴿وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا﴾ [البقرة: ١٧٧]، قال: وهذا سائغ في كلام العرب، كما قال الشاعر (٧):


(١) هذا الحديث زيادة من (مح) ولا يوجد في النسخ المطبوعة، والحديث أخرجه الطبراني في المعجم الكبير ٦/ ٨٨ وقال الهيثمي: وفيه عبد الله بن صالح كاتب الليث وثقه جماعة وضعفه آخرون (مجمع الزوائد ١/ ٦٢).
(٢) آية ٧.
(٣) في الأصل: "شعية" والتصويب من تفسير ابن أبي حاتم.
(٤) أخرجه ابن أبي حاتم معلقًا بدون اسم شيخه.
(٥) كذا في (حم) و (مح) وتفسير ابن أبي حاتم، وسقط من الأصل.
(٦) ذكرت أن هذه لم تصح، وفصلت الرد على هذه الشبهة الخطيرة في (استدراكات على تاريخ التراث العربي ١/ ٤٨ - ٤٠).
(٧) ديوان الخرنق بنت بدر بن هفان ص ٢٩ كما في طبعة الشعب.