للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

لا يبعدنّ قومي الذين همو … سُمّ العداة وآفة الجزُر

النازلين بكل معترك … والطيبون معاقد الأزر

بمعنى: مدح النازلين.

وقال آخرون: هو مخفوض عطفًا على قوله: ﴿بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ﴾ يعني: وبالمقيمين الصلاة، وكأنه يقول: وبإقامة الصلاة؛ أي: يعترفون بوجوبها وكتابتها عليهم، أو أن المراد بالمقيمين الصلاة الملائكة وهذا اختيار ابن جرير، يعني: يؤمنون بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك وبالملائكة، وفي هذا نظر، واللّه أعلم.

وقوله: ﴿وَالْمُؤْتُونَ الزَّكَاةَ﴾ يحتمل أن يكون المراد زكاة الأموال، ويحتمل زكاة النفوس، ويحتمل الأمرين، والله أعلم.

﴿وَالْمُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ﴾ أي: يصدقون بأنه لا إله إلا الله، ويؤمنون بالبعث بعد الموت، والجزاء على الأعمال خيرها وشرها. وقوله: ﴿أُولَئِكَ﴾ هو الخبر عما تقدم ﴿سَنُؤْتِيهِمْ أَجْرًا عَظِيمًا﴾ [يعني: الجنة] (١).

﴿إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَوْحَيْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَعِيسَى وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهَارُونَ وَسُلَيْمَانَ وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا (١٦٣) وَرُسُلًا قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ وَرُسُلًا لَمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا (١٦٤) رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا (١٦٥)﴾.

قال محمد بن إسحاق، عن محمد بن أبي محمد، عن عكرمة أو سعيد بن جبير، عن ابن عباس، قال: قال سكين وعدي بن زيد: يا محمد ما نعلم أن الله أنزل على بشر من شيء بعد موسى، فأنزل الله في ذلك من قولهما: ﴿إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ … ﴾ إلى آخر الآيات (٢). وقال ابن جرير: حَدَّثَنَا الحارث، حَدَّثَنَا عبد العزيز، حَدَّثَنَا أبو معشر عن محمد بن كعب القرظي، قال: أنزل الله: ﴿يَسْأَلُكَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَنْ تُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ كِتَابًا مِنَ السَّمَاءِ﴾ [النساء: ١٥٣] إلى قوله: ﴿وَقَوْلِهِمْ عَلَى مَرْيَمَ بُهْتَانًا عَظِيمًا﴾ [النساء: ١٥٦] قال: فلما تلاها عليهم يعني: على اليهود، وأخبرهم بأعمالهم الخبيثة، جحدوا كل ما أنزل الله وقالوا: ما أنزل الله على بشر من شيء، ولا موسى ولا عيسى ولا على نبي من شيء، قال: فحلّ حبوته (٣)، وقال: ولا على أحد! فأنزل الله ﷿: ﴿وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِذْ قَالُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى بَشَرٍ مِنْ شَيْءٍ﴾ (٤) [الأنعام ة ٩١، وفي هذا الذي قاله محمد بن كعب القرظي نظر، فإن هذه الآية التي في سورة الأنعام مكية، وهذه الآية التي


(١) كذا في (حم) و (مح) وسقط من الأصل.
(٢) أخرجه الطبري بسند حسن من طريق ابن إسحاق به، وفيه تصريح ابن إسحاق بالسماع وهذا الإسناد قد بحثته مفصلًا في مقدمة التفسير الصحيح.
(٣) فحل حبوته: الحُبوة الاسم من الاحتباء، وهو أن يضم الإنسان رجليه إلى بطنه بثوب يجمعهما به مع ظهره ويشده عليه، وقد يكون الاحتباء باليدين عوض الثوب (لسان العرب: ح ب و).
(٤) أخرجه الطبري بسنده ومتنه، وسنده مرسل، وقد ردَّه الحافظ ابن كثير.