للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

في سورة النساء مدنية، وهي ردٌّ عليهم لما سألوا النَّبِيّ أن ينزل عليهم كتابًا من السماء.

قال الله تعالى: ﴿فَقَدْ سَأَلُوا مُوسَى أَكْبَرَ مِنْ ذَلِكَ﴾ [النساء: ١٥٣] ثم ذكر فضائحهم ومعايبهم وما كانوا عليه وما هم عليه الآن من الكذب والافتراء، ثم ذكر تعالى أنه أوحى إلى عبده ورسوله محمد ، كما أوحى إلى غيره من الأنبياء المتقدمين، فقال: ﴿إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ﴾ إلى قوله: ﴿وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا﴾ والزبور اسم الكتاب الذي [أوحاه] (١) الله إلى داود وسنذكر ترجمة كل واحد من هؤلاء الأنبياء عليهم من الله أفضل الصلاة والسلام، عند قصصهم في السور الآتية إن شاء الله وبه الثقة وعليه التكلان.

وقوله: ﴿وَرُسُلًا قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ وَرُسُلًا لَمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ﴾ أي: من قبل هذه الآية، يعني: في السور المكية وغيرها وهذه تسمية الأنبياء الذين نص الله على أسمائهم في القرآن وهم: آدم وإدريس ونوح وهود وصالح وإبراهيم ولوط وإسماعيل وإسحاق ويعقوب ويوسف وأيوب وشعيب وموسى وهارون ويونس وداود وسليمان وإلياس واليسع وزكريا ويحيى وعيسى، وكذا ذو الكفل عند كثير من المفسرين وسيدهم محمد .

وقوله: ﴿وَرُسُلًا لَمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ﴾ أي: خلقًا آخرين لم يذكروا في القرآن، وقد اختلف في عدة الأنبياء والمرسلين، والمشهور في ذلك حديث أبي ذر الطويل، وذلك فيما رواه ابن مردويه في تفسيره حيث قال: حَدَّثَنَا إبراهيم بن محمد حَدَّثَنَا جعفر بن محمد بن الحسن والحسين بن عبد الله بن يزيد، قالا: حَدَّثَنَا إبراهيم بن هشام بن يحيى الغساني، حدثني أبي، عن جدي، عن أبي إدريس الخولاني، عن أبي ذرٍّ، قال: يا رسول الله، كم الأنبياء؟ قال: "مِائَة ألف وأربعة وعشرون ألفًا". قلت: يا رسول الله. كم الرسل منهم؟ قال: "ثلاثمائة وثلاثة عشر جم غفير". قلت: يا رسول الله، من كان أولهم؟ قال: "آدم" قلت: يا رسول الله، نبي مرسل؟ قال: "نعم خلقه الله بيده، ثم نفخ فيه من روحه، ثم سواه قبلًا" ثم قال: "يا أبا ذر، أربعة سريانيون: آدم وشيث ونوح وخنوخ وهو إدريس، وهو أول من خط بالقلم، وأربعة من العرب: هود وصالح وشعيب ونبيك يا أبا ذر، وأول نبي من بني إسرائيل موسى وآخرهم عيسى، وأول النبيين آدم، وآخرهم نبيك" (٢)، وقد روى هذا الحديث بطوله الحافظ أبو حاتم بن حبان البستي في كتابه الأنواع والتقاسيم (٣)، وقد وسمه بالصحة، وخالفه أبو الفرج بن الجوزي، فذكر هذا الحديث في كتابه "الموضوعات" واتهم به إبراهيم بن هشام هذا، ولا شكَّ أنه قد تكلم فيه غير واحد من أئمة الجرح والتعديل من أجل هذا الحديث، واللّه أعلم.

وقد روي هذا الحديث من وجه آخر عن صحابي آخر فقال ابن أبي حاتم: حَدَّثَنَا محمد بن عوف، حَدَّثَنَا أبو المغيرة، حَدَّثَنَا معان بن رفاعة، عن علي بن يزيد، عن القاسم، عن أبي أُمامة، قال: قلت: يا نبي الله، كم الأنبياء؟ قال: "مِائَة ألف وأربعة وعشرون ألفًا والرسل من


(١) كذا في (حم) و (مح) وفي الأصل: "أنزل".
(٢) في سنده إبراهيم بن هشام بن يحيى الغساني: كذاب (الجرح والتعديل ٢/ ١٤٣، وميزان الاعتدال ١/ ٧٣).
(٣) أخرجه ابن حبان من طريق إبراهيم بن هشام به (الإحسان بترتيب صحيح ابن حبان ح ٣٦١).