للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أبرموا أمورًا يحاربونك بها، أبطلها الله وردّ كيدهم عليهم، وحاق مكرهم السيء بهم ﴿وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ﴾ أي: من سجيتهم أنهم دائمًا يسعون في الإفساد في الأرض، والله لا يحب من هذه صفته،

ثم قال جلا وعلا: ﴿وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْكِتَابِ آمَنُوا وَاتَّقَوْا﴾ أي: لو أنهم آمنوا بالله ورسوله واتقوا ما كانوا يتعاطونه من المآثم والمحارم ﴿لَكَفَّرْنَا عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلأَدْخَلْنَاهُمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ﴾ أي: لأزلنا عنهم المحذور وأنلناهم المقصود.

﴿وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُوا التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ مِنْ رَبِّهِمْ﴾ قال ابن عَبَّاس وغيره: هو القرآن (١)، ﴿لأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ﴾ أي: لو أنهم عملوا بما في الكتب التي بأيديهم عن الأنبياء على ما هي عليه من غير تحريف ولا تبديل ولا تغيير، لقادهم ذلك إلى اتباع الحق والعمل بمقتضى ما بعث الله به محمدًا ، فإن كتبهم ناطقة بتصديقه والأمر باتباعه حتمًا لا محالة.

وقوله تعالى: ﴿لأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ﴾ يعني: بذلك كثرة الرزق النازل عليهم من السماء والنابت لهم من الأرض.

وقال علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس ﴿لأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ﴾ يعني: لأرسل السماء عليهم مدرارًا، ﴿وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ﴾ يعني: يخرج من الأرض بركاتها (٢). وكذا قال مجاهد وسعيد بن جبير وقتادة والسدي (٣)، كما قال تعالى: ﴿وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (٩٦)[الأعراف].

وقال تعالى: ﴿ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (٤١)[الروم] وقال بعضهم معناه: ﴿لأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ﴾ يعني: من غير كد ولا تعب ولا شقاء ولا عناء.

وقال ابن جرير: قال بعضهم: معناه لكانوا في الخير كما يقول القائل: هو في الخير من فرقه إلى قدمه (٤)، ثم ردّ هذا القول لمخالفته أقوال السلف.

وقد ذكر ابن أبي حاتم عند قوله: ﴿وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُوا التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ﴾ حديث علقمة، عن صفوان بن عمرو، عن عبد الرحمن بن جبير بن نفير، عن أبيه أن رسول الله قال: "يوشك أن يرفع العلم" فقال زياد بن لبيد: يا رسول الله، وكيف يرفع العلم وقد قرأنا القرآن وعلمناه أبناءنا؟ فقال: "ثكلتك أمك يا ابن لبيد، إن كنت لأراك من أفقه أهل المدينة، أو ليست التوراة والإنجيل بأيدي اليهود والنصارى، فما أغنى عنهم حين تركوا أمر الله" ثم قرأ: ﴿وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُوا التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ﴾ هكذا أورده ابن أبي حاتم معلقًا من أول إسناده مرسلًا في آخره (٥). وقد رواه الإمام أحمد بن حنبل متصلًا موصولًا، فقال: حَدَّثَنَا وكيع، حَدَّثَنَا الأعمش، عن سالم بن أبي الجعد، عن زياد بن لبيد أنه قال: ذكر النَّبِيّ شيئًا، فقال: "وذاك عند ذهاب العلم" قال: قلنا: يا


(١) أخرجه ابن أبي حاتم بسند ثابت من طريق ابن أبي طلحة عن ابن عباس بلفظ: الفرقان.
(٢) أخرجه ابن أبي حاتم والطبري بسند ثابت من طريق ابن أبي طلحة به.
(٣) أخرجه الطبري بسند صحيح من طريق ابن أبي نجيح عن مجاهد، وأخرجه الطبري أيضًا بسند صحيح من طريق سعيد بن أبي عروبة عن قتادة، وأخرجه أيضًا بسند حسن من طريق أسباط عن السدي. وقول سعيد بن جبير ومن معه ذكرهم ابن أبي حاتم بحذف السند.
(٤) ذكره الطبري بنحوه.
(٥) أخرجه ابن أبي حاتم بسنده ومتنه، وسنده ضعيف ويتقوى بما يليه: